عيسى بن مريم ، فأمّهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لا نذاب حتى يهلك ، ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته. (١)
وجه الاستدلال بهذا الحديث على فضل حلب قوله صلى الله عليه وسلم : «ينزل الروم بالأعماق وبدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض» ، ذكره بحرف الفاء وإنها للتعقيب ، والمدينة المذكورة التي يخرج منها الجيش هي حلب لأنها أقرب المدن الى دابق ، وفي تلك الناحية إنما ينطلق اسم المدينة على حلب عند الإطلاق ، لا على يثرب كما في قوله تعالى : «وجاء رجل من أقصى المدينة» (٢) ، وفي قوله تعالى «وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة» (٣). حيث انصرف الإطلاق الى المدينة التي يفهم إرادتها عند الاطلاق ، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنهم من خيار أهل الأرض ، وما زالت عساكر حلب في كل عصر موصوفة بالمصابرة والغناء ، والثبات عند المقاتلة واللقاء.
ويؤيد ذلك ما يأتي في فضل أنطاكية من قوله صلى الله عليه وسلم : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها ، وعلى أبواب أنطاكية وما حولها ، وعلى باب دمشق وما حولها (١ ـ ظ) ظاهرين على الحق لا يبالون من من خذلهم ولا من نصرهم». الحديث ، لأن الطائفة ـ والله أعلم ـ هي جيش حلب لأنه عليه الصلاة والسلام قال : «لا تزال طائفة من أمتي» وأنطاكية استولى عليها الروم سنين عدة ، ثم فتحها سليمان بن قطلمش ، ثم استولى عليها الفرنج الى زمننا هذا ، فلو لا أن يكون المراد بالطائفة المذكورة جيش حلب ، وأنه يقاتل حول أنطاكية لتطرق الخلف الى كلامه صلى الله عليه وسلم ، وما زالت عساكر حلب ظاهرة على من مجاورها بأنطاكية في قديم الزمان وحديثه إلا ما ندر وقوعه.
__________________
(١) صحيح مسلم ، ط. الآستانه ١٣٣٤ : ٨ / ١٧٥ ـ ١٧٦ ، وفه ( ...
(٢) القرآن الكريم ـ سورة ياسين الآية : ٢٠.
(٣) القرآن الكريم ـ سورة الكهف الآية : ٨٢.