من أجلاد الرجالة أهل القوة والنشاط والنية من المطّوعة المسجدية ، حتى إذا نزلوا أول منزل ، تبتّل شيخ ، بل شيوخ من الصلحاء معروفون بحفظ من هناك من الغلمان المرموقين بالصباحة والوضاءة ، فتنضاف طبقة طبقة إلى ذي معرفتهم وثقتهم وحصلوا تحت (٦٦ ـ ظ) علمه ورايته ، فلو همّ أحدهم بالوضوء لصلاة لما أفرج عنه إلّا برقيب ثقة أمين شيخ معروف ، يمضي معه لحاجته ، حتى إذا فرغ منها عاد إلى جملته.
وقد رأينا في آخر أيام طرسوس رجلا يعرف برؤبة يجتمع إليه الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم ، يزيد عددهم على ألف صبي كلهم بالسلاح الذي يمكن مثله حمل مثله ، وبمزاودهم وقد أعدوا فيها من صنوف أطعمة أمثالهم يطوف جميعهم بمطرد يحمله رؤبة ، يسيرون بسيرة ويقفون بوقوفه ، فلا يزال ذلك دأبهم حتى إذا عاد السلطان إلى مقر داره عند رجوعه من نفيره ، دخل أولئك الصبيان أمامه على مراتبهم ، يصفهم قائدهم الأمثل فالأمثل ، رماتهم عن قسي الرجل التي قد عملت على مقاديرهم ، ثمّ رماتهم عن القسي الفارسية ، وربما كان فيه من أولاد اليمانية من يحمل القسي العربية بنبلها ، فيدخلون فوجا فوجا صبيين صبيين ، ثم من يحسن الثقاف ، فيثاقف قرينه ومثله وخدينه وشكله حتى يدخل كل صنف منهم في مرتبته ، ثم يتلوهم رؤبة قائدهم بمطرده وعلامته ، حتى إذا خرج أحد أولئك الصبيان من حدّ الطفولة ، واشتد عضده ، وقارب حد البلوغ ، أو بلغ ، أو تجاوز البلوغ قليلا ، إنضاف إلى قائد من قواد الرجالة الذين ذكرت ، وصحبه في نفيره وغزوه ، وارتاد لنفسه الرفاق بحسب ما يختار تربه وجاره وقرينه ، فإذا التحى ، وخرج عن حد المرد دخل في جمهور (٦٧ ـ و) الناس ، حاذقا بما يحتاج إليه ، ماهرا بصيرا بأمر جهاده وتدبير أمره ، نافذا يقظا إن شاء الله.
وقع إليّ قصيدة الأعلام ، وهي أرجوزه نظمها أبو عمرو القاسم بن أبي داود