ويقال : كان أول من حفر بئرا مرّة ، حفر بئرا يقال لها : اليسيرة ، خارجة من الحرم ، فكانوا يشربون منها دهرا ، إذا كثرت الأمطار فشربوا ، وإذا قحطوا ذهب ماؤها. وكانوا يشربون من أغادير في رؤوس الجبال (١) وحفر مرّة بئرا أخرى يقال لها الرواء ، وهما خارجتان من مكة ، في بواديها ، مما يلي عرفة ، وهم يومئذ حول مكة.
ثم حفر كلاب بن مرّة : خمّا ، ورمّا ، والجفر ، وهذه بئار كلاب بن مرّة ، وكلّها خارجا من مكة (٢).
ثم كان قصيّ حين جمع قريشا بمكة ، وأهل مكة على ما كان عليه الآباء من الشرب في رؤوس الجبال ، ومن هذه الآبار الخارجة من مكة ، فلم يزل الأمر على ذلك حتى هلك قصيّ ثم ولده كانوا يفعلون ذلك حتى هلك أعيان بني قصيّ : عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبد العزّى ، وعبد بنو قصيّ ، فخلف أبناؤهم في قومهم على ما كان من فعلهم.
ويقال : إنّه لما حفر أمية بن عبد شمس الجفر لنفسه ، حفر ميمون بن الحضرمي (٣) بئره ، وكانت آخر بئر حفرت من هذه البئار في الجاهلية ، ولم يكن بمكة يومئذ ماء يشرب إلّا زمزم ، وبئر ميمون ، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ / يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(٤) ، فقال :
__________________
(١) الأزرقي ٢ / ٢٢٠ ، وفتوح البلدان ص : ٦٤ ، وعنده : حفرها لؤي بن غالب.
(٢) الأزرقي ٢ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وفتوح البلدان ص : ٦٤.
(٣) إسم الحضرمي : عبد الله بن عمّار بن أكبر بن ربيعة بن مالك الحضرمي. وكان عبد الله الحضرمي ـ أبوه ـ قد سكن مكة وحالف حرب بني أمية. وميمون هو : أخو العلاء ، الصحابي الجليل الذي استعمله النبي صلّى الله عليه وسلم على البحرين. أنظر الإصابة ٢ / ٤٩١. وفتوح البلدان ص : ٦٥ ، ومعجم البلدان ١ / ٣٠٢.
(٤) سورة الملك (٣٠).