بسم الله الرحمن الرحيم
(حمدا) لمن أبان المعانى بأساليب البيان ، وأبدع فى مقتضى أحوال الموجودات لطائف أبرزت دلائل وحدته إلى العيان ، وتنزه عن الحاجة إلى شرح غامض الكلام وتلخيصه ، وبيده مفتاح العلوم ، لتكريم من شاء بنفى الجهالة عنه وتمحيصه. والصلاة والسّلام على من ظهر سعد الدين بظهوره ، سيدنا ومولانا محمد ، الذى ببلاغة كتابه وفصاحته انبسطت على البسيطة سواطع نوره ، وعلى آله وصحابته الوارثين عنه بديع المعانى والألفاظ ، الذين هم لحقيقة كلامه ومجازه كفلاء بالبيان والاحتفاظ.
(أما بعد) ، فإن أمر العلم قبل هذا متضائل الحجة ، متضايق المحجة حين معالمه موسومة بالاندراس ، ورجوع الحشاشة إليه من روحه بادية الإياس لتضاعف أهوال على معاشره تشيب النواصى ، بشغل كل عن نفسه بكثرة ما يقاسى ، ولترادف فاقات كاسرة لعزماتهم أشد من كسر الهام العواصى ، فهى بحيث تذوب لها الجنادل الصم القواسى ؛ حتى صار من هو منهم أهل لاقتناص أزاهره ، وجدير بنظم فرائد جواهره منبوذا بالعرا ، ملزوم أفنية الورى ، منقطع المدد فى تلك المدد (١) ، لا يأوى له أحد ، فهام حزب أهل العلم فى ظلمات الافتقار ، وطال عليهم ليل الإلغاء والاحتقار ، إلى أن تداركهم نعمة من ربهم بطلوع طالع السعادة لحزبهم ، وذلك بظهور الدولة الشريفية ، المولوية الهاشمية الإسماعيلية ، فإذا بدور عزهم طالعة مسفرة ، وإذا وجوه أفراحهم ضاحكة مستبشرة ، فذهبوا حينئذ فى العلوم كل مذهب ، وتسمنوا فى المدارك أعلى ما يطلب ، فعمّت مجالس التدريس مساجدهم وغشيت رحمة التعاطى للمفهوم معاهدهم ، فصارت حجج العلم لديهم تتمايل اتضاحا ، وشبهات الجهل فى جانبهم تتضاءل افتضاحا ، ولم يزالوا فى الارتقاء فى تلك المدارج ، وفى التنافس فيها دائما طلبا لسلوك أعدل المناهج ، إلى أن بلغوا أعلى مراتب الإنشاء والتأليف ، فصاروا بعد التعلم والتعرف رؤوس التعاليم والتعاريف ، ثم زادهم من لا يخيب لآمل أمله ، ولا يبطل لعامل مؤمن عمله نعمة منه بأن جعل خليفته فيهم هو المنصور بالله تعالى مولانا إسماعيل ، رأس
__________________
(١) بين المدد بالفتح والمدد بضم الميم جناس ناقص ، والمدد هو العون ، والمدد جمع مدّة وهى الجزء من الزمان.