فالمراد بالتقدير إمكانه لا أنه يتوقف إفادة التركيب للمعنى على تقديره تقديرا يكون كالمذكور بحيث يكون إسقاطه إيجازا فلا ينافى هذا ما سيأتى من أن قوله تعالى (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(١) من المساواة ، ويحتمل وهو ظاهر كلام صاحب المفتاح أن فى الاستثناء المفرغ مقدرا عاما حقيقة ، وأن العامل لا يتسلط على ما بعد إلا ووجه بأنا إذا قلنا مثلا : ما قام إلا زيد ففى قام ضمير يعود على أحد وهو مقدر ذهنا فيعم بعموم مصدوقه ، ويكون إلا زيد بدلا والتزام رفعه فى هذا القسم لعدم ظهور المستثنى منه لفظا ، وتقدير ضمير يعود على مقدر لم يذكر موجود كقولهم إذا كان غدا فأتنى أى : إذا كان ما نحن فيه من سلامتنا غدا فأتنى ، ولا يخفى ما فيه من التعسف ، وما نظر به لا يتضح به الأمر ؛ لوجود الدليل الحالى فيه بخلاف الاستثناء بعد النفى فإن نفس المستثنى هو الذى يتبادر تسلط العامل عليه ، والأداة لمجرد الحصر (عام مناسب للمستنثى فى جنسه) ، أما مناسبته للمستثنى فى الجنسية بأن يصدق عليه فلأنه لو لم يصدق عليه لم يوجد إخراج وأما عمومه له فليصح الاستثناء الذى هو الإخراج أيضا إذ لو أريد البعض فإن كان ذلك البعض معينا هو هذا المستثنى كان الكلام تناقضا محضا ، وإن كان غيره فلا إخراج ، فتبطل فائدة وضع دلالة الاستثناء ، وإن كان مبهما لم يتحقق دخوله فلا يتحقق الإخراج ، فبطل تحقق دلالة الآلة فيما وضعت له فلم يفهم المعنى ، واللفظ الموضوع يستلزم فهو معناه فوجب أن يكون ذلك المقدر عاما ؛ ليتحقق الإخراج ، ولهذا يقال الاستثناء معيار العموم ، ولا يخفى ما فى قوله : مناسب له فى جنسه من المسامحة ؛ لأن ظاهره مشاركة المستثنى للمستثنى منه فى الجنس والمقصود كون المستثنى منه جنسا للمستثنى بحيث يصدق عليه ، والأولى أن يكون قرينا له إن أمكن ، وإلا قدر ما أمكن كلفظ شيء فيقدر فى نحو : ما ضرب إلا زيد ، ما ضرب أحد إلا زيد ، وفى نحو : ما كسوته إلا جبة ، ما كسوته كسوة إلا جبة ، وفى نحو ما جاء إلا راكبا ، ما جاء كائنا على حال من الأحوال إلا راكبا إذ معنى راكبا كائنا على حال الركوب ، وفى نحو : ما سرت إلا يوم الجمعة ، ما سرت وقتا من الأوقات إلا يوم
__________________
(١) فاطر : ٤٣.