من ذلك الإيهام (نحو) قوله تعالى (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ)(١) فقوله تعالى (رَجُلٌ) موصوف بثلاثة أوصاف : كونه مؤمنا ، وكونه من آل فرعون ، وكونه يكتم إيمانه ، فقدم مؤمنا على غيره ؛ لإفراده ، وقدم المجرور على الجملة الفعلية وقد أشار إلى علة تقديمه بقوله (فإنه) أى : لأنه (لو أخر) قوله (من آل فرعون) ـ الذى هو المجرور المذكور ـ عن قوله يكتم إيمانه (لتوهم أنه من صلة يكتم) فيفيد معنى آخر ، وهو كونه يكتم إيمانه من آل فرعون ، ويخفيه عليهم (فلم يفهم أنه) أى : أن ذلك الرجل (منهم) ، والغرض : بيان أنه منهم ، والتقديم ؛ ولو كان لا يمنع من تعلقه بيكتم أبعد فى إفادة هذا المعنى من التأخير ، وفى هذا الكلام بحث من وجهين : أحدهما : أن تأخيره لا يوهم كونه من صلة يكتم إلا لو كان يكتم يتعدى بمن ، ومن المعلوم أنه يتعدى بنفسه إذ يقال (كتمت زيدا الحديث) كما قال الله تعالى (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً)(٢) وأجيب عنه بأنه سمع أيضا تعديه بمن ، فيعرض الإيهام بسبب ذلك.
ثانيهما : أن تقديم المجرور إذا كان نعتا على الجملة النعتية هو الأصل ، فهذا مما جرى فيه التقديم على الأصل لا مما قدم لغرض آخر ، وقد يجاب عنه بجواز تعدد النكت للتقديم ، فيجوز أن يقال قدم ؛ لأنه الأصل لقرب المجرور من المفرد لأن الأصل تقديره بالمفرد وقدم لأن فى تأخيره إخلالا بالمراد فافهم ، (أو) ، لأن فى التأخير إخلالا (بالتناسب) المطلوب فى المقام ، وذلك (ك) ما فى (رعاية الفاصلة) ، وقد تقدم تفسيرها ، فتراعى مناسبتها لفاصلة أخرى ، فيقدم فيها بعض المعمولات ليختم بحرف يناسب به خاتمة لأخرى (نحو) قوله تعالى (فَأَوْجَسَ)(٣) أى : أخفى ، (فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ،) فقدم خيفة على موسى ، ولو كان فاعلا لرعاية ما بعده ، وما قبله من الفواصل المختومة بالألف ، إذ لو أخر خيفة فات ذلك ، وهذا الوجه ـ وهو رعاية
__________________
(١) غافر : ٢٨.
(٢) النساء : ٤٢.
(٣) طه : ٦٧.