للمشهود به ولا يدل على المدعى ، وذلك بتأويل أن المعنى : لكاذبون (فى المشهود به) وهو قولهم : إنك لرسول الله لكن لا بمعنى أنهم كاذبون فيه لعدم مطابقته لاعتقادهم ، بل بمعنى : لكاذبون فيه باعتبار الواقع ، لكن لا باعتبار الواقع فى نفسه وحقيقته ؛ لأنه باعتبار نفسه وحقيقته صدق بل باعتبار الواقع (فى زعمهم) الفاسد ، ووهمهم الكاسد بمعنى أنهم صيروا بزعمهم واعتقادهم هذا الكلام الصدق كذبا فى الواقع ، ولو كان بغير اعتبار زعمهم صدقا فى الواقع فكأنه قيل : إنهم يزعمون أنهم يكذبون فى هذا الكلام الصدق أى : يزعمون أن هذا الكلام لم يطابق الواقع ، فقد ظهر أن الكذب هنا أطلق على عدم مطابقة الواقع بواسطة الزعم ، وكثيرا ما يقال : هذا الكلام المطابق للواقع فى زعم فلان إنه كذب أى : لم يطابق الواقع ، فمعنى لكاذبون على هذا : الزاعمون أنهم كذبوا فى هذا الخبر الصدق ، وإطلاق الكذب على زعم أن الخبر كذب شائع عرفا ، فقد اتضح هذا التأويل وأنه ليس اعترافا ؛ فإن الكذب هنا إنما هو باعتبار عدم مطابقة الزعم والاعتقاد ؛ وذلك للفرق الظاهر بين قولنا هذا الكلام لم يطابق زعم فلان ، وهذا الكلام لم يطابق الواقع فى زعم فلان ؛ لأن الأول يصدق فى الكلام الذى لم ينطق به فلان قط ولا شعر به ، والثانى لا يصدق إلا فى الكلام المشعور به ، واعتقد أنه ليس كذلك ، وفى المعنى الأول : المطابقة فيه تنسب وتعتبر بالقياس إلى الاعتقاد وفى الثانى : تعتبر بالقياس إلى الواقع ، ولكن نفى المطابقة بالزعم لا بما فى نفس الأمر مع معناه ، وقد أطنبت فى تقرير هذا المحل لصعوبته على بعض الأذهان ، ثم أشار إلى تفسير الصدق والكذب على مذهب من يثبت الواسطة فقال (الجاحظ) من المعتزلة ممن يثبت الواسطة قال فى تفسير الصدق والكذب : «والواسطة صدق الخبر» (مطابقة) نسبت (ه) للنسبة الخارجية (مع الاعتقاد) أى : مع اعتقاد أن مدلوله كذلك فى نفس الأمر ، فقد شرط فى الصدق أمرين المطابقة والاعتقاد معا (و) كذب الخبر (عدمها معه) أى : انتفاء المطابقة لما فى نفس الأمر مع اعتقاد أنه غير مطابق لما فى نفس الأمر ، فقد اعتبر فى الكذب والصدق معا الاعتقاد ، إلا أن الاعتقاد فى الصدق يتعلق بالمطابقة للواقع ، وفى الكذب يتعلق بعدمها ، والأقسام المتصورة ههنا فى المطابقة وعدمها ستة ؛ لأن مطابقة الكلام