تعالى (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ)(١) فإن إطلاق اليد على القدرة إيهام وتورية ؛ لأن إطلاقها على الجارحة أقرب إلى الفهم.
والتمشية الثانية : أن يكون قد شبه ما وقع به الإعجاز أو نفس الإعجاز ، بناء على أن الإعجاز أطلق على ما وقع به ، أو على نفس حقيقته من إطلاق المصدر على اسم المفعول أولا بالصور المستحسنة فى ميلان النفس وتشوفها لإدراكها ، فيكون إضمار التشبيه فى النفس استعارة بالكناية أيضا ، وذكر الأستار ترشيح للتشبيه لأنها مما يلائم المشبه به ، ويكون ذكر الوجوه تخييلية ، وإنما لم تجعل الأستار تخييلا فى هذه التمشية ؛ لأن الصور المستحسنة من حيث هى ليست الأستار من لازمها الخاص الذى يتقوم به وجه الشبه أو يتكمل ، بخلاف الأشياء المحتجبة تحت الستر كما فى التمشية الأولى ، ثم عطف على جملة كان قوله (وكان القسم الثالث) الكائن (من) مجموع الكتاب المسمى (مفتاح العلوم الذى صنفه) أى : مفتاح العلوم (الفاضل العلامة أبو يعقوب يوسف السكاكى) رحمهالله تعالى (أعظم ما صنف) هو خبر كان (فيه) أى : فيما تقدم ، وهو علم البلاغة وتوابعها (من الكتب المشهورة) وهو بيان «لما» أى : كان القسم الثالث أعظم المصنفات التى هى الكتب المشهورة فى ذلك الفن (نفعا) تمييز من قوله أعظم أى : نفع ذلك القسم أعظم أنفاع تلك الكتب المشهورة فى هذا الفن ، وإنما اعتبر المشهورات ؛ لأنه إذا كان أنفع المشهورات فغيرها أحرى ، وإنما كان أعظمها نفعا (لكونه أحسنها ترتيبا) أى : لكون ذلك القسم أحسن تلك الكتب فى ترتيب مسائلة وفصوله ، والترتيب وضع كل شيء فى مرتبته التى تنبغي له ، ولما كانت كل مسألة وكل كلمة يجوز أن تكون لها مراتب تناسب أن توضع فيها ، وبعض تلك المراتب أحسن من بعض جاز أن يكون تأليف أحسن من آخر فى ترتيب كلماته وفصوله ومسائله ، وربما تكون المسائل غررا وحسانا فى معناها ، ولكن لم توضع كل واحدة فيما ينبغى لها ، فتكون كلآلى عقد انفصم فانتثرت فيفتقر كمال حسنها إلى نظمها بالترتيب ولهذا يوصف تأليف الشيخ عبد القاهر مع بلاغة مؤلفة لما لم يراع فيه حسن الترتيب بأنه
__________________
(١) الذاريات : ٤٧.