إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

سرّ الفصاحة

94/327
*

في الطبقة الوسطى.

وهذا الذي ذكره غير صحيح ، والقسمة فاسدة ، وذلك أن التأليف على ضربين : متنافر ، ومتلائم ، وقد يقع في المتلائم ما بعضه أشد تلاؤما من بعض على حسب ما يقع التأليف عليه ، ولا يحتاج أن يجعل ذلك قسما ثالثا ، كما يكون من المتنافر ما بعضه أشد في التنافر وأكثر من بعض ، ولم يجعل الرماني ذلك قسما رابعا.

فأمّا البيتان فليسا في هذا الموضع بأحق من غيرهما ، وأما قوله : إن القرآن من المتلائم في الطبقة العليا وغيره في الطبقة الوسطى ؛ وهو يعني بذلك جميع كلام العرب ، فليس الأمر على ذلك ، ولا فرق بين القرآن وبين فصيح الكلام المختار في هذه القضية ، ومتى رجع الإنسان إلى نفسه وكان معه أدنى معرفة بالتأليف المختار وجد في كلام العرب ما يضاهي القرآن في تأليفه ، ولعل أبا الحسن يتخيل أن الإعجاز في القرآن لا يتم إلا بمثل هذه الدعوى الفاسدة ، والأمر بحمد الله أظهر من أن يعضده بمثل هذا القول الذي ينفر عنه كل من شدا من الأدب شيئا ، أو عرف من نقد الكلام طرفا.

وإذا عدنا إلى التحقيق وجدنا وجه إعجاز القرآن صرف العرب عن معارضته ، بأن سلبوا الإرادة التي بها كانوا يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك ، وإذا كان الأمر على هذا فنحن بمعزل عن ادعاء ما ذهب إليه من أن بين تأليف حروف القرآن وبين غيره من كلام العرب كما بين المتنافر والمتلائم. ثم لو ذهبنا إلى أن وجه إعجاز القرآن الفصاحة ، وادعينا أنه أفصح من جميع كلام العرب بدرجة ما بين المعجز والممكن ، لم يفتقر في ذلك إلى ادعاء ما قاله من مخالفة تأليف الحروف الواقعة في الفصيح من كلام العرب ، وذلك أنه لم يكن بنفس هذا التأليف فقط فصيحا ، وإنما الفصاحة لأمور عدة تقع في الكلام ، من جملتها التلاؤم في الحروف وغيره ، وقد بينا بعضها ، وسنذكر الباقي ، فلم ينكر على هذا أن يكون تأليف الحروف في القرآن وفصيح كلام العرب واحدا؟ ويكون القرآن في الطبقة العليا لما ضامّ تأليف حروفه من شروط الفصاحة التي