فإذا قيل :
أعجمت الكتاب ، فمعناه أزلت إبهامه ، كما يقال : أشكيته إذا أزلت ما يشكوه ، لأن
هذه اللفظة في كلام العرب للإبهام والخفاء ، ومنه : رجل أعجم ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «جرح العجماء جبار» يريد البهيمة ، وعجم الزبيب وغيره أي : المستتر فيه ،
وسموا صلاتي الظهر والعصر : عجماوين ؛ لأنه لا يفصح بالقراءة فيهما.
والحروف تختلف
باختلاف مقاطع الصوت ، حتى شبه بعضهم الحلق والفم بالناي ، لأن الصوت يخرج منه
مستطيلا ساذجا ، فإذا وضعت الأنامل على خروقه ووقعت المزاوجة بينها سمع لكل حرف
منها صوت لا يشبه صاحبه ، فكذلك إذا وقع الصوت في الحلق والفم بالاعتماد على جهات
مختلفة سمعت الأصوات المختلفة التي هي حروف ، ولهذا لا يوجد في صوت الحجر وغيره
لأنه لا مقاطع فيه للصوت ، وليس يحتاج إلى حصر الحروف التي يتعلق بها ، وإنما
الغرض ذكر ما في اللغة العربية التي كلامنا عليها ، لأن في غيرها من اللغات حروفا
ليست فيها ، كلغة الأرمن وما جرى مجراها.
فحروف العربية
تسعة وعشرون حرفا ، وهي : الهمزة والألف والهاء والعين والغين والخاء والقاف
والكاف والضاد والجيم والشين والياء واللام والراء والنون والطاء والدال والتاء
والصاد والزاي والسين والظاء والذال والثاء والفاء والباء والميم والواو ، فهذا
ترتيبها في المخارج.
وكان أبو
العباس محمد بن يزيد المبرّد لا يعتد بالهمزة ، ويجعل الحروف ثمانية وعشرين حرفا ،
وقوله هذا عند النحويين مرفوض ، واعتلاله بأن الهمزة لا صورة لها مستكره غير مرضيّ
لأن الاعتبار باللفظ دون الخط وهي ثابتة فيه ، ولو أن العرب لا خط لها كغيرها من
الأمم لم يمنع ذلك من الاعتداد بجميع هذه الحروف المذكورة.
__________________