لأن فيه معنى السجع ، ولا مانع في الشرع يمنع من ذلك.
ومثال المتقارب في الحروف : قوله تبارك وتعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٣ ـ ٤].
وقوله تبارك وتعالى : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) [ق : ١ ـ ٢].
وهذا لا يسمى سجعا ؛ لأنا قد بينا أن السجع ما كانت حروفه متماثلة.
فأما قول الرماني : «إن السجع عيب والفواصل بلاغة» على الإطلاق فغلط ؛ لأنه إن أراد بالسجع ما يكون تابعا للمعنى وكأنه غير مقصود ، فذلك بلاغة والفواصل مثله ، وإن كان يريد بالسجع ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلف ، فذلك عيب والفواصل مثله ، وكما يعرض التكلف في السجع عند طلب تماثل الحروف ، كذلك يعرض في الفواصل عند طلب تقارب الحروف ، وأظن أن الذي دعا أصحابنا إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل ، ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعا ، رغبة في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام والمروي عن الكهنة وغيرهم ، وهذا غرض في التسمية قريب ، فأما الحقيقة فما ذكرناه ، لأنه لا فرق بين مشاركة بعض القرآن لغيره من الكلام في كونه مسجوعا ، وبين مشاركة جميعه في كونه عرضا وصوتا وحروفا وكلاما وعربيا ، ومؤلفا ، وهذا مما لا يخفى فيحتاج إلى زيادة في البيان ، ولا فرق بين الفواصل التي تتماثل حروفها في المقاطع وبين السجع ، فإن قال قائل : إذا كان عندكم أن السجع محمود فهلا ورد القرآن كله مسجوعا ، وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع؟ قيل : إن القرآن أنزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعادتهم وكان الفصيح من كلامهم لا يكون كله مسجوعا ، لما في ذلك من إمارات التكلف والاستكراه والتصنع ، لا سيما فيما يطول من الكلام ، فلم يرد مسجوعا جريا به على عرفهم في الطبقة العالية من كلامهم ، ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة التي قدمناها ، وعليها ورد في فصيح كلامهم ، فلم يجز أن يكون عاليا في الفصاحة وقد أخل فيه بشرط من شروطها ، فهذا هو