منصوصا في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع وقد أخبر الله تعالى أن في الكتاب تبيان كل شيء من أمور الدين ثبت أن طريقة النظر والاستدلال بالقياس على حكمه إذ لم يبق هناك وجه يوصل إلى حكمها من غير هذه الجهة ومن قال بنص خفى أو بالاستدلال فإنما خالف في العبارة وهو موافق في المعنى ولا ينفك من استعمال اجتهاد الرأى والنظر والقياس من حيث لا يشعر قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) أما العدل فهو الإنصاف وهو واجب في نظر العقول قبل ورود السمع وإنما ورد السمع بتأكيد وجوبه والإحسان في هذا الموضع التفضل وهو ندب والأول فرض وإيتاء ذي القربى فيه الأمر بصلة الرحم وقوله تعالى (يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) قد انتظم العدل في الفعل والقول قال الله تعالى (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) فأمر بالعدل في القول وهذه الآية تنتظم الأمرين وأما قوله تعالى (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) فإنه قد انتظم سائر القبائح والأفعال والأقوال والضمائر المنهي عنها والفحشاء قد تكون بما يفعله الإنسان في نفسه مما لا يظهر أمره وهو مما يعظم قبحه وقد تكون مما يظهر من الفواحش وقد تكون لسوء العقيدة والنحل لأن العرب تسمى البخيل فاحشا والمنكر ما يظهر للناس مما يجب إنكاره ويكون أيضا في الإعتقادات والضمائر وهو ما تستنكره العقول وتأباه والبغي ما يتطاول به من الظلم لغيره فكل واحد من هذه الأمور الثلاثة له في نفسه معان خاصة تنفصل بها من غيره.
في الوفاء بالعهد
قال الله تعالى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) قال أبو بكر العهد ينصرف على وجوه فمنها الأمر قال الله تعالى (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ) وقال (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ) والمراد الأمر وقد يكون العهد يمينا ودلالة الآية على أن المراد في هذا الموضع اليمين ظاهرة لأنه قال (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) ولذلك قال أصحابنا أن من قال على عهد الله إن فعلت كذا إنه حالف وقد روى في حديث حذيفة حين أخذه المشركون وأباه فأخذوا منه عهد الله أن لا يقاتلوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم فلما قدما المدينة ذكرا ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فقال تفي لهم بعهدهم وتستعين الله عليهم وروى عن عطاء والحسن وابن سيرين وعامر وإبراهيم النخعي ومجاهد إذا قال على عهد الله إن فعلت