يبدو أنهم
حاولوا الاعتداد بـ «السماع» ـ أو الاستعمال اللغوي ـ وهو منطلق سليم ولا ريب إلى
درس الظواهر اللغوية ومحاولة ضبطها في أصول وقواعد. وحاولوا كذلك خرق الطوق الذي
فرضه البصريون بقصرهم الاستشهاد على من نعتوهم بـ «الفصحاء من العرب» ، والوقوف به
عند زمن لا يتعداه ـ بداية العصر العباسي الأول على الأرجح ـ ضاربين عرض الحائط
بما يمكن أن يلحق باللغة من تطوّر ليس بالضرورة فسادا وتخليطا وفوضى ولحنا.
ولقد كان
بالإمكان أن تكون محاولة الكوفيين خيّرة ـ إذا أدخلنا في حسباننا ما يقتضيه الدرس
اللغوي من ملاحقة التطوّر التاريخي للغة ـ لو لم يبالغوا فيها على ما يظهر لنا من
شبه الإجماع على اتهامهم بأنهم لو سمعوا «بيتا واحدا فيه جواز شيء مخالف للأصول
جعلوه أصلا وبوّبوا عليه» ، وأنه من «عادة الكوفيين إذا سمعوا لفظا في شعر أو
نادر كلام جعلوه بابا أو فصلا» .
وقد يهون الأمر
لو أن الكوفيين وقفوا به عند هذا
__________________