الحكمة من العموم والخصوص والمطلق والمقيَّد والمجمل والمبيَّن. فقد يذكر النبيُّ صلى الله عليه واله عاماً ولا يذكر مخصِّصه إلّا بعد مدّة من الزمان ، وقد لا يذكره أصلاً ويودع لوصيِّه ذكره في وقته المناسب له. بل يتلقّى الصحابيّ حكماً من النبيِّ صلى الله عليه واله في قضيَّة ، ويسمع الآخر في مثل تلك القضية خلافه؛ لخصوصيَّة أوجبت تغاير الحكمين ، ولم يُلتفت لتلك الخصوصية ، أو غقل عن نقلها بعد الالتفات ، فيقع التعارض بين الأحاديث في الظاهر مع الاتفاق في الواقع.
فاتّضح أن الاجتهاد من مقدِّمات معرفة الحكم ، والتصرف في الروايات وضم بعضها إلىٰ بعض وترجيح بعضها علىٰ بعض. وقد يكون للحديث ظاهر ، والمراد خلافه؛ لوجود قرينة تدلُّ علىٰ ذلك. والناقل للحديث قد يكون راوياً إن اقتصر علىٰ نقل لفظ الحديث ، وقد يكون مفتياً إنْ ذكر الحكم الذي استفاده من الروايات بطريق استنباطه واجتهاده. فباب الاجتهاد كان مفتوحاً من زمن صاحب الشريعة الإسلامية بين أصحابه ، وقد أرجع بعض أصحابه إلىٰ بعض من أهل الاستنباط والملكات ، فمن أخذ برأيهم فهو مقلِّد لهم.
نعم ، دائرة الاجتهاد تصعب وتسهل بحسب القرب والبعد من الحضور؛ لإمكان السؤال وعدمه ، وتوفر القرائن وعدمه. لذلك يصعب استفراغ الوسع والاستنباط في تمييز الصحيح من الفاسد ، والواجد لما يعتبر في همن شرائط الصحّة من الفاقد.