ولم يبق سوى العدوا |
ن دنّاهم كما دانوا |
ومعنى : دنّاهم : جازيناهم. يقول : لما أصرّوا على البغي وأبوا أن يدعوا الظلم ، لم يبق إلا أن نقاتلهم ونعتدي عليهم ، كما اعتدوا علينا ، جازيناهم بفعلهم القبيح ، كما ابتدؤونا به وإطلاق المجازاة على فعلهم مشاكلة ، على حدّ قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ ، فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [البقرة : ١٩٤]. [الخزانة ج ٣ / ٤٣١ ، والحماسة بشرح المرزوقي ص ٣٢].
(١٨١) داويت عين أبي الدّهيق بمطله |
حتّى المصيف ويغلو القعدان |
البيت أنشده الأنباري في «الإنصاف» ولم ينسبه إلى شاعر. وأبو الدهيق : كنية رجل. والمطل : التسويف في قضاء الحاجة. والمصيف : زمان الصيف. ويغلو القعدان : القعدان : جمع قعود : وهو ما اتخذه الراعي للركوب وحمل الزاد. أو الذي يقتعده الراعي في كل حاجة : والقعود من الإبل : هو البكر حين يركب. أي : يمكن ظهره من الركوب ، وأدنى ذلك أن يأتي عليه سنتان ، وهو اسم للذكر ، والأنثى : قلوص. ويغلو : إذا ارتفع في سيره فجاوز حسن السير ، هكذا شرحه أبو رجاء ، ولكن ما العلاقة بين المصيف ، وغلوّ القعدان في السير؟ ربما كان المراد : حتى تكبر الأبكار وتصبح قعدانا تركب ، وربما كان المعنى : أن يغلو سعر القعدان ، وهذا خلاف في غير محله ، لأن موضوع الخلاف ـ بيت الشعر ـ لا تدري أهو قول شاعر ، أم صناعة نحوي؟ فليس للبيت مصدر إلا نقل الأنباري عن البصريين ، محتجين به لرأيهم في النصب بعد «حتى» : فهم يقولون : إن الفعل بعدها منصوب بأن مقدرة بعد الواو العاطفة ، ويكون منها والفعل مصدر مؤول ، معطوف على المصيف المجرور بحتى.
أما الكوفيون : فيرون أن حتى تنصب الفعل بنفسها ، لأنها إما أن تكون بمعنى كي ، مثل : «أطع الله حتى يدخلك الجنة» أو بمعنى (إلى أن) كقولك : اذكر الله حتى تطلع الشمس ، فإذا أخذ الحرف معنى الحرف الآخر عمل عمله. والحقّ في هذه المسألة مع الكوفيين ، لأن إعمال الظاهر خير من إعمال المضمر. ولم نلتق العرب الأقدمين الذين نطقوها منصوبة ، لنسألهم لماذا نصبتم ، وما يتعلل به البصريون ضرب من الحكم على الغيب ، والغيب لا يعلمه إلا الله. [الإنصاف ص ٥٩٩].