(١٥٥) دع الخمر تشربها الغواة فإنني |
رأيت أخاها مجزئا بمكانها |
|
فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه |
أخوها غذته أمه بلبانها |
... لأبي الأسود الدؤلي..
وشاهده : ـ البيت الثاني ـ تصرّف كان تصرف الأفعال الحقيقية في عملها فيتصل بها ضمير خبرها اتصال ضمير المفعول بالفعل الحقيقي نحو «ضربني» وضربته.
قلت : وأنا لا أستبعد أن يكون البيتان مصنوعين ومنحولين ، للاحتجاج بهما على قضية «النبيذ» أحلال هو أم حرام؟ لأن المفسرين اختلفوا في مراد الشاعر : فذكر بعضهم أن سبب هذا الشعر أن مولى لأبي الأسود الدؤلي كان يحمل تجارة إلى الأهواز ، وكان إذا مضى إليها ، تناول شيئا من الشراب ، فاضطرب أمر البضاعة. فقال أبو الأسود هذا الشعر ينهاه عن شرب الخمر.
فاسم «يكنها» ضمير الأخ. و «ها» ضمير الخمر وهو خبر يكن ، واسم تكنه ضمير الخمر ، والهاء ضمير الأخ وهو خبر تكن. وأراد بأخي الخمر الزبيب يقول : دع الخمر ، ولا تشربها ، فإني رأيت الزبيب الذي هو أخوها ومن شجرتها مغنيا مكانها ، فإلا يكن الزبيب الخمر أو تكن الخمر الزبيب ، فإن الزبيب أخو الخمر ، غذته أمه بلبانها ، يعني أن الزبيب شرب من عروق الكرمة كما شرب العنب الذي عصر خمرا ، وليس ثمة لبان وإنما هو استعارة.
وقال جماعة : أراد بأخي الخمر نبيذ الزبيب : فوصف نبيذ الزبيب وأطلقه على مذهب العراقيين في الأنبذة ، وحثّ على شربه وترك الخمر بعينها للإجماع على تحريمها ، وجعل الزبيب أصلا للخمر لأن أصلها الكرمة ، واستعار اللّبان لما ذكره من الأخوة. وقال الزجّاج في تفسير قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ...) الآية [البقرة : ٢١٩] : وقد لبّس على أبي الأسود الدؤلي فقيل له : إن هذا المسكر الذي سمّوه بغير الخمر حلال ، فظنّ أن ذلك كما قيل ، ثم ردّه طبعه إلى أن حكم بأنهما واحد. فقال :
دع الخمر يشربها الغواة... البيتين.
والذين قالوا : إنه أباح النبيذ ، لا يصحّ قولهم ، وكذلك لا يصحّ قول الزجاج بأنه لبّس عليه : فأبو الأسود تابعيّ ثقة عند أهل الحديث ، وقالوا : إنه كان ذا دين وعقل ولسان