هم المغاوير إذا حُمّ القضا |
|
هم المصاليت إذا اشتدّ الوغى |
(المغاوير) : مفردها مغوار ، من الرجال الكثير الغارات. وحُمّ القضاء ، وحم الأمر (بضم الحاء) : أي قضى. وحم الله (بالفتح) له كذا : قدر وقضاه له. المصاليت من الرجال : الشجعان منهم. والوغى : الحرب. وهذا الوصف اتّصفت به إخوة الحسين وأنصاره الذين أبلوا بلاء حسناً يوم كربلاء ، وراحت البشرية تفخر بهم جيلاً بعد جيل. ذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر (١) ، راوياً عن الحسن البصري : إنّ الذين قُتلوا مع الحسين (عليه السّلام) من أهل بيته رجال ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه. وذكر ابن أبي الحديد (٢) : أنّه قيل لرجل شهد يوم الطفّ مع عمر بن سعد : ويحك! أقتلتم ذرية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ فقال : عضضت بالجندل (٣)! إنّك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ؛ ثارت علينا عصابة ، أيديها في مقابض سيوفها ، كالأسود الضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ، أو الاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويداً لآتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كنّا فاعلين لا اُمّ لك؟!
وهم الذين وصفهم عميدهم وسيّدهم الحسين (عليه السّلام) بخطبته الشهيرة التي قال فيها بعدما جمعهم : «أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضرّاء. اللّهمّ إنّي أحمدك على ما أكرمتنا بالنبوّة ، وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ، ولم تجعلنا من المشركين. أمّا بعد ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي جميعاً خيراً. ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً ، وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام ، وهذا
__________________
(١) انظر عبد البر ـ الاستيعاب ـ ج ١ ص ١٤٧.
(٢) انظر عبد الحميد بن أبي الحديد ـ شرح النهج ـ ج ٣ ص ٣٠٧ مصر.
(٣) انظر ابن جرير الطبري ج ٦ ص ٢٣٩.