لا يتأرّى لما في القدر يطلبه (١).
فقال كسرى لترجمانه : ما يقول؟ ففسره له ، فقال كسرى : هذا قبيح ، ثم غنّاه المغني :
أتتك العيس تنفخ في براها (٢).
فقال كسرى لترجمانه : ما يقول؟ فقال : لا أدري ، فقال بعض جلسائه : «شاهنشاه ، أشتر أف أف» ، معناه : يا ملك الملوك ، هذا جمل ينفخ. وأشتر بلغتهم : الجمل. وأف ، حكاية النفخ. قال طليحة : فأضحكني تفسيره العربية بالفارسية. [يلاحظ أن كسرى لم يعلق على معنى الغناء]. قال : ثم غناه المغني بشعر فارسيّ لم أفهمه ، فطرب كسرى ، وملئت له كأس ، وقام فشربها قائما ، ودارت الكأس على جميع الجلساء.
قال طليحة : «وكان الترجمان إلى جانبي ، فقلت له : ما هذا الشعر الذي أطرب الملك هذا الطرب؟ فقال : خرج يوما متنزها ، فلقي غلاما حسن الصورة ، وفي يمينه ورد ، فاستحسنه وأمر أن يصنع له فيه شعر ، فإذا غناه المغني ذلك الشعر طرب ، وفعل ما رأيت.
فقلت (طليحة) : ما في هذا مما يطرب حتى يبلغ فيه هذا المبلغ؟ فسأل كسرى الترجمان عما حاورني فيه ، فأخبره. فقال : قل له : إذا كان هذا لا يطرب ، فما الذي يطربك أنت؟ فأدى إليّ الترجمان قوله ، فقلت : قول الأعشى :
ما بكاء الكبير بالأطلال ... البيت
فأخبره الترجمان بذلك ، فقال كسرى : وما معنى هذا؟ فقلت : هذا شيخ كبير مرّ بمنزل محبوبته فوجده خاليا قد عفا وتغيّر ، وجعل يبكي. فضحك كسرى وقال :
__________________
(١) هذا شطر بيت ، تمامه كما في الأصمعيات : «ولا يزال أمام القوم يقتفر» ، وهو من قصيدة لأعشى باهلة (عامر بن الحارث) يرثى فيها أخاه لأمه ، المنتشر بن وهب.
ومعنى يتأرى : يتحبس ، يمدح المرثي بأن همته ليست في المطعم والمشرب ، وإنما همته في طلب المعالي. ويقتفر : من الاقتفار ، وهو اتباع الأثر ، أي يقدم قومه ويتعرف لهم الأثر.
(٢) شطر ببيت تمامه : «تكشف عن مناكبها القطوع» ، والبيت منسوب لعبد الرحمن بن الحكم ، أو زياد الأعجم ، وهما إسلاميان من العصر الأموي ، لم يشهدا عصر كسرى ، وينسب البيت لأعشى ميمون. [اللسان ـ قطع].