.................................................................................................
______________________________________________________
سيبويه ـ قولهم ـ فيمن أصيب بمكروه ـ : هو أصوب من غيره ، وهو من «أصيب» ، فعلى مذهب سيبويه ليس شاذّا ، إلا من قبيل ما هو من فعل المفعول ، وذلك لا يحكم بشذوذه إلا فيما يلتبس فيه قصد المفعول بقصد الفاعل (١) وذلك إذا كان الفعل مستعملا بالبناءين كثيرا ، ولم يقارن أفعل ما يمنع من أن يراد به الفاعلية كقولك : هذا أضرب من ذاك ، وأنت تريد أنّ الضرب الواقع فيه أشدّ من الواقع بغيره فإنّ هذا لا يجوز لأنّ المراد به لا دليل عليه ، بل السابق إلى ذهن من يسمعه التفضيل في الفاعلية ، فإن اقترن بما يمنع من قصد الفاعلية جاز وحسن.
ومن هذا قولهم : أكسى من بصلة (٢) ، وأشغل من ذات النّحيين (٣) ، ويصحّ على هذا أن يقال : عبد الله بن أبيّ (٤) ألعن ممّن لعن على لسان داود ، ولا أحرم ممن عدم الإنصاف ، ولا أظلم من قتيل كربلاء (٥) ، فلو كان مما لازم بناء ما لم يسمّ فاعله ، أو غلبت قلّته ؛ لم يتوقف في جوازه ، لعدم اللبس وكثرة النظائر ، كأزهى ، وأغنى (٦) ، وقد تقدم من قولي : إن ورود هذا في التفضيل أكثر منه في التعجب ، وأنّه لا ينبغي أن يقتصر فيه على المسموع ، ومن المحكوم بشذوذه قولهم : هو أسود ـ
__________________
(١) معنى هذا الكلام أن سيبويه يجيز صوغ «أفعل» التفضيل من الفعل الذي على وزن «أفعل» فلا شذوذ في المثالين على مذهبه. ينظر الكتاب (٤ / ١٠٠) ط. هارون ، وإنما الشذوذ عنده أن هذا الصوغ من فعل مبني للمفعول ـ وأيضا ـ لا يحكم في هذه الحالة بالشذوذ إلا فيما يلتبس فيه قصد المفعول بقصد الفاعل.
(٢) هذا مثل يضرب لمن لبس الثياب الكثيرة ، وينظر المثل في : مجمع الأمثال للميداني (٢ / ١٦٩) اللسان «كسا».
(٣) سبق تخريج هذا المثل في الباب السابق (التعجب).
(٤) هو عبد الله بن أبيّ بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم ، ينتهي نسبه إلى بني غنم بن الخزرج بن حارثة ، وهو رئيس المنافقين ، وهو ابن سلول ، وهي جدته نسب إليها ، تنظر ترجمته في : جمهرة أنساب العرب (ص ٣٥٤).
(٥) المعنى : ليس هناك ظلم أشد من الظلم الواقع بقتيل كربلاء ، وهو الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي سبط رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وريحانته وهو وأخوه الحسن سيّدا شباب أهل الجنة وقد قتل الحسين رضياللهعنه يوم عاشوراء سنة (٦١ ه) بكربلاء ، من أرض العراق ، تنظر ترجمته في كتاب : نسب قريش (ص ٢٤) وجمهرة أنساب العرب (ص ٥٢) وتهذيب الأسماء واللغات لابن شرف النووي (١ / ١٦٢ ، ١٦٣).
(٦) في اللسان «زهي» وقد زهي على لفظ ما لم يسم فاعله ، جزم به أبو زيد ، وثعلب ، وحكى ابن السكيت : زهيت ، وزهوت.