.................................................................................................
______________________________________________________
المسألة : أتاني بنو محمد إلا بنو جعفر إلا خالد ، برفعه حملا على المعنى ؛ لأنك لما استثنيت من إيجاب نصبت ، كما قدمنا ، فـ «بنو جعفر» قد تغيب عنهم الإتيان وكأنك قلت : ما أتاني (بنو جعفر) ثم استثنيت منهم خالدا فأدخلته فيما نفيته فصار موجبا له بعد نفي (١). انتهى.
وفي المثالين اللذين ذكرهما ابن هشام (٢) نظر ؛ فإنّ الظاهر فيهما الانقطاع وكلاهما إنما هو في المتصل إلا (أن) (٣) يريد الاتصال بتأويل.
وأما الشرط الثالث : وهو أن يكون غير مردود به كلام تضمن الاستثناء فاحترز به عن رد قول القائل : قاموا إلا زيدا ، وأنت تعلم أنّ الأمر بخلاف ذلك ، فتدخل النفي وتأتي بالكلام ، مثل ما نطق به المردود عليه ، فتنصب (زيدا) ولا ترفعه ؛ لأنك لم تقصد معنى : ما قام إلا زيد ، وكذا إذا قال : لي عندك مائة إلا درهمين ، وأردت جحد ما ادعاه ، فإنك تقول : ما لك عندي مائة إلا درهمين ، كأنّك قلت : ما لك عندي الذي ادّعيته ، ولو رفعت الدرهمين كنت مقرّا بهما ، جاحدا لثمانية وتسعين ؛ لأنّ المستثنى المبدل ممّا قبله في حكم الاستقلال فكأنّك قلت ـ إذا رفعت ـ : مالك عندي إلا درهمان (٤) ، وهذه الثلاثة شروط جواز البدل.
وبقي لرجحان النصب على الاستثناء شرط رابع : وهو ألا يتراخى ، أي : يتباعد ذكر المستثنى ، عن ذكر المستثنى منه نحو الأمثلة المتقدمة فإن حصل التراخي كان النصب على الاستثناء راجحا ، والبدل مرجوحا وذلك نحو قولك : ما ثبت أحد في الحرب ثباتا نفع الناس إلا زيدا ، ولا تنزل على أحد من تميم إن وافيتهم إلا قيسا (٥) ؛ لأنّه إنّما رجح الإتباع في غير الإيجاب على النّصب ؛ لأنّ معناه ومعنى النّصب واحد ، وفي الإتباع تشاكل اللفظين ، وهو مطلوب وللقرب تأثير في طلب المشاكلة ، فلما تباعدا تباعدا بينا رجح النصب ، لضعف الداعية ، والأصل في هذا ـ
__________________
(١) التذييل والتكميل (٣ / ٥٣٩).
(٢) تنظر السطور السابقة.
(٣) ما بين القوسين من الهامش.
(٤) ينظر ـ لزيادة الإيضاح ـ الأصول في النحو لابن السراج (١ / ٣٠٤) ، والمساعد لابن عقيل (١ / ٥٥٩).
(٥) في المساعد لابن عقيل (١ / ٥٥٩): «فينصب اختيارا لضعف التشاكل ، لطول الفصل بين البدل والمبدل منه. اه.