الألف والفتحة التي قبلها كما أتبعوا ضمة الذال التي في «منذ» ضمّة الميم ، وإن كان حقّ الذال أن تكسر لالتقاء الساكنين.
والوجه الثاني : أن [٢١٣] نظائرها من الظروف المستحقة لبناء أواخرها على حركة كأين وأيّان بنيت على الفتح ؛ فكذلك «الآن» لمشاركتها لهما في الظرفية.
ومنهم من قال ، وهو أبو العباس المبرد : إنما بني «الآن» لأنه وقع في أول أحواله بالألف واللام ، وسبيل ما يدخل عليه الألف واللام أن يكون منكورا أولا ثم يعرف بهما ، فلما خالف سائر أخواته من الأسماء وخرج إلى غير بابه بني.
ومنهم من قال ، وهو أبو سعيد السيرافي : إنما بني لأنه لما لزم موضعا واحدا أشبه الحرف ؛ لأن الحروف تلزم مواضعها التي وضعت فيها في أوليتها ، والحروف مبنية ؛ فكذلك ما أشبهها.
ومنهم من قال ، وهو أبو علي الفارسي : إنما بني لأنه حذف منه الألف واللام وضمن الاسم معناهما ، وزيدت فيه ألف ولام أخريان.
وبني على الفتح في جميع الوجوه ؛ لما ذكرناه في الوجه الأول ، وهو الذي عليه سيبويه وأكثر البصريين.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن الألف واللام فيه بمعنى الذي» قلنا : هذا فاسد ؛ لأن الألف واللام إنما يدخلان على الفعل وهما بمعنى الذي في ضرورة الشعر كما أنشدوه من الأبيات ، لا في اختيار الكلام ؛ فلا يكون فيه حجة.
وأما ما شبهوه به من نهيه صلىاللهعليهوسلم عن قيل وقال فليس بمشبه له ؛ لأنه حكاية ، والحكايات تدخل عليها العوامل فتحكى ، ولا تدخل عليها الألف واللام ؛ لأن العوامل لا تغيّر معاني ما تدخل عليه كتغيير الألف واللام ، ألا ترى أنك تقول :
«ذهب تأبّط شرا ، وذرّى حبا ، وبرق نحره ، ورأيت تأبط شرا ، وذرّى حبا ، وبرق نحره ، ومررت بتأبط شرا ، وذرّى حبا ، وبرق نحره» ولا تقول : هذا التأبط شرا ، ولا الذّرّى حبا ، ولا البرق نحره ، وما أشبه ذلك ، وكذلك تقول : رفعنا اسم كان بكان ، ونصبنا اسم إنّ بإنّ ، ولا تقول رفعناه بالكان ونصبناه بالإنّ ، فبان الفرق بينهما ؛ وهذا هو الجواب عن قولهم «من شبّ إلى دبّ» على أنه لو أخرجت هذه الأشياء إلى الأسماء فقيل «عن قيل وقال» ، «ومن شبّ إلى دبّ» فأدخلت الجر والتنوين لكان ذلك جائزا بالإجماع ، على أنه قد صح عن العرب أنهم قالوا : من شبّ إلى دبّ ـ بالجر والتنوين ـ وقد حكى ذلك أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء من أصحابكم ، وذلك ألزم لكم وأوفى حجّة عليكم ، والله أعلم.