فقال «مخضّبا» لأن الكف في المعنى عضو.
والحمل على المعنى أكثر في كلامهم من أن يحصى ، فكذلك هاهنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن علامة التأنيث إنما دخلت للفصل بين المذكر والمؤنث ، ولا اشتراك بين المذكر والمؤنث في هذه الأوصاف» قلنا : الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن هذا يبطل بقوله تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) [الحج : ٢] ولو كانت علامة التأنيث إنما تدخل للفصل بين المذكر والمؤنث لكان ينبغي أن لا تدخل هاهنا ؛ لأن هذا وصف لا يكون في المذكر ، فلما دخلت دل على فساد ما ذهبوا إليه.
والوجه الثاني : أنه لو كان سبب حذفه علامة التأنيث من هذا النحو وجود الاختصاص وعدم الاشتراك لوجب أن لا يوجد الحذف مع وجود الاشتراك وعدم الاختصاص في نحو قولهم «رجل عاشق ، وامرأة عاشق» [٣٢٥] و «رجل عانس ،
______________________________________________________
المشهور أنه من التأسّف لقطع يده ، وقيل : بل هو أسير قد كبلت يده ، ويقال : قد جرحها الغلّ ، والقول الأول هو المجتمع عليه» اه. والكشح ـ بفتح الكاف وسكون الشين وآخره حاء مهملة ـ من الخاصرة إلى الضلع الخلف ، والكف : اليد ، وهي مؤنثة بدليل قول بشر ابن أبي خازم :
له كفان كف كف ضر |
|
وكف فواضل خضل نداها |
فأعاد الضمير عليها في قوله «نداها» مؤنثا ، ومحل الاستشهاد من هذا البيت في هذا الموضع قوله «كفا مخضّبا» فإن الظاهر أن قوله «مخضّبا» نعت لقوله «كفا» ومخضب وصف مذكر ، وقد علمت أن من القواعد المقررة التي لا يختلف فيها أحد أن النعت الحقيقي يجب أن يطابق المنعوت في تذكيره وتأنيثه. ولهذا قال العلماء في بيت الشاهد : إنه ذكر النعت حملا على المعنى ، وبيان ذلك أن الكف يطلق عليها لفظ «عضو» والعضو مذكر قال ابن منظور «خ ض ب» : «ذكر على إرادة العضو ، أو على [حد] قوله :
فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها |
ويجوز أن يكون صفة لرجل ، أو حالا من المضمر في يضم ، أو من المخفوض في كشحيه» اه. وقال في (ك فـ ف) : «فأما قول الأعشى :
* أرى رجلا منهم أسيفا ... البيت*
فإنه أراد الساعد فذكر ، وقيل : إنما أراد العضو ، وقيل : هو حال من ضمير يضم أو من هاء كشحيه» اه ، فذكر ما ذكره في الموضع الأول إلا أن يكون مخضبا وصفا لقوله رجلا ، والخطب في ذلك سهل ، فإن جعل قوله مخضّبا حالا من الضمير المستتر في يضم أو من الضمير البارز المتصل في قوله كشحيه مثل جعله صفة لقوله رجلا ، وكل ذلك أضعف من الحمل على المعنى.