فأكّد «يوما» بأجمع ؛ فدلّ على جوازه.
وأما القياس فلأن اليوم مؤقت يجوز أن يقعد في بعضه ، والليلة مؤقتة يجوز أن يقوم في بعضها ، فإذا قلت «قعدت يوما كلّه ، وقمت ليلة كلّها» صح معنى التوكيد ؛ فدلّ على صحة ما ذهبنا إليه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أن تأكيد النكرة غير جائز من وجهين :
أحدهما : أن النكرة شائعة ليس لها عين ثابتة كالمعرفة ؛ فينبغي أن لا تفتقر إلى تأكيد ؛ لأن تأكيد ما لا يعرف لا فائدة فيه ، وأما قولهم «رأيت درهما كلّ درهم» وما أشبه ذلك فهو محمول على الوصف لا على التأكيد.
والوجه الثاني : أن النكرة تدل على الشياع والعموم ، والتوكيد يدل على التخصيص والتعيين ، وكل واحد منهما ضدّ صاحبه ؛ فلا يصلح أن يكون مؤكدا له ، ولو جوزنا ذلك لكنا قد صيرنا الشائع مخصصا ، وهذا ليس بتأكيد ، بل هو ضد ما وضع له ؛ لأن التأكيد تقرير ، وهذا تغيير ، ولهذا المعنى امتنع أن يجوز وصف النكرة بالمعرفة أو المعرفة بالنكرة ؛ لأن كل واحد منهما ضد صاحبه ؛ لأن النكرة شائعة ، والمعرفة مخصوصة ، والصفة في المعنى هي الموصوف ، ويستحيل أن يكون الشيء الواحد شائعا مخصوصا في حال واحدة ؛ فكذلك هاهنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما ما استشهدوا به من الأبيات فلا [١٨٨] حجة فيه : أما قول الشاعر :
* يا ليت عدّة حول كلّه رجب* [٢٨٤]
فنقول الرواية الصحيحة :
* يا ليت عدّة حولي كلّه رجب* [٢٨٤]
بالإضافة ، وهو معرفة لا نكرة ، وأما قول الآخر :
* يوما جديدا كله مطردا* [٢٨٥]
______________________________________________________
مستساغ ، ومن الشواهد على جواز توكيد النكرة إن أفاد توكيدها ما أنشده سيبويه (١ / ٤٤) :
ثلاث كلهن قتلت عمدا |
|
فأخزى الله رابعة تعود |
الرواية عنده برفع ثلاث ورفع كلهن ، وإن كان مذهبه في مثل ذلك النصب بالفعل بدليل قوله بعد إنشاده «فهذا ضعيف ، والوجه الأكثر الأعرف النصب» وإنما كان هذا ضعيفا لأنه لم يذكر العائد على المبتدأ ، ولو أنه قال «ثلاث كلهن قتلته عمدا» لكان مرضيا عنده ، وعلى كل حال فإن الشاعر قد أكد قوله «ثلاث» وهو نكرة بقوله «كلهن» وذلك ظاهر إن شاء الله.