والذي يدلّ على
ذلك أن العرب لم تحذف فيما كثرت حروفه ، كما حذف فيما قلّت حروفه ، فقالوا في
تثنية جمادى : «جماديين» من غير حذف ، قال الشاعر :
[٤٦٢] * شهري ربيع وجماديينه*
وقال الآخر :
[٤٦٣] [٣٢١]
* جماديين حسوما*
______________________________________________________
[٤٦٢] هذا بيت
من الرجز المشطور ، وهو من شواهد رضي الدين في باب المثنى من شرح الكافية ، وشرحه
البغدادي في الخزانة (٣ / ٣٣٨) وذكر أنه لامرأة من فقعس ، وأنشد قبله :
يا رب خال لك
من عرينه
|
|
حج على قليص
جوينه
|
* فسوته لا تنقضي شهرينه*
|
والقليص :
تصغير القلوص ، وهي الناقة الشابة ، وجوينة : تصغير جون ، والجون من الإبل ومن
الخيل أيضا : الأدهم الشديد السواد ، وقوله «فسوته ـ الخ» الفسوة بفتح الفاء وسكون
السين ـ ريح يخرج من البطن من غير صوت ، والكلام على حذف مضاف ، وكأنه قال : نتن
فسوته ـ الخ ، وشهرينه : منصوب على الظرفية والعامل فيه تنقضي ، وعلامة نصبه الياء
نيابة عن الفتحة لأنه مثنى ، والهاء في آخره للسكت ، وقوله «شهري ربيع» بدل من
الشهرين ، وجماديينه معطوف على شهري ربيع ، والهاء في آخره للسكت أيضا. ومحل
الاستشهاد هنا قوله «جماديينه» فإنه مثنى جمادى ، والألف فيه خامسة ، وقد قلبها
الراجز ياء ، ولم يحذفها ، فيكون ردا على الكوفيين الذين ذهبوا إلى أن الاسم
المقصور إذا كثرت حروفه سقطت ألفه في التثنية ، ونحب أن ننبهك إلى أن الكوفيين لم
يذهبوا إلى أن سقوط الألف في تثنية الاسم الذي كثرت حروفه أمر واجب لا يجوز غيره ،
بل ذهبوا إلى أنه يجوز أن تسقط ألفه ويجوز أن تذكر وتقلب ياء ، فلا يردّ عليهم بأن
العرب قد أبقت الألف وقلبتها ياء في «جماديينه» وفي ألف كلمة أخرى ، وقد قالت
العرب في تثنية الخوزلي «الخوزلان» بحذف الألف ، ولو أبقوها لقالوا : الخوزليان ،
وقالوا أيضا : خنفسان ، وقرفصان ، وعاشوران ، في تثنية خنفساء ، وقرفصاء ،
وعاشوراء ، فحذفوا في التثنية الهمزة والألف التي قبلها ، ولو أبقوا ذلك لقالوا :
خنفساوان ، وقرفصاوان ، وعاشوراوان. وقد استشهد الرضي بالبيت على أن من العرب من
يفتح نون المثنى بعد الياء ، وبعد الألف كما في قول الراجز :
أعرف منها
الجيد والعينانا
|
|
ومنخرين
أشبها ظبيانا
|
[٤٦٣] الاستشهاد من هذا الشاهد في
قوله «وجماديين» فإنه مثنى جمادى ، والألف فيه خامسة ، ولم يحذفها الشاعر ، بل
قلبها ياء على قاعدة أن الألفات إذا كانت رابعة فأكثر قلبت ياء مطلقا ، وهذا ـ فيما
زعم المؤلف ـ يرد على مذهب الكوفيين الذين يقولون : إن المقصور إذا كانت حروفه
كثيرة جاز حذف هذه الألف عند التثنية ، وإن الممدود إذا كانت همزته بعد حروف كثيرة
جاز حذف هذه الهمزة والألف التي قبلها ، وقد بيّنا لك في شرح الشاهد