خالفت «أيّ» أخواتها فيما ذكرناه زال تمكنها ؛ لأن كل شيء خرج عن بابه زال تمكنه ، فوجب أن تبنى إذا استعملت على خلاف ما استعمل عليه أخواتها ، كما أن «يا ألله» لما خالفت سائر ما فيه الألف واللام لم يحذفوا ألفه ، وكذلك «ليس» لما لم تتصرف تصرف الفعل تركت على هذه الحال ، ألا ترى أن أصل «ليس» ليس ، مثل صيد البعير ، وصيد البعير يجوز فيه التخفيف فيقال «صيد البعير» ويجب في ليس التخفيف ، ولا يجوز أن يؤتى به على الأصل كما جاز أن يؤتى بصيد على الأصل ؛ لأن ليس لم تتصرف تصرف الفعل ، بخلاف صيد ، ويدل عليه أيضا أنك لو قلت «صيدت يا بعير» لوجب أن ترد الفعل إلى أصله من الكسر ، ولو قلت «ليست» لم يجز رده إلى الأصل ، كلّ ذلك لمخالفته الفعل في التصرف وخروجه عن مشابهة نظائره ، فكذلك هاهنا : لما خالفت [أيّ] سائر أخواتها وخرجت عن مشابهة نظائرها وجب بناؤها ، وإنما وجب بناؤها على الضم لأنهم لما حذفوا المبتدأ من صلتها بنوها على الضم ، لأنه أقوى الحركات.
والذي يدلّ على صحة هذا التعليل وأنهم إنما بنوها لخلاف (١) المبتدأ أنا أجمعنا على أنهم إذا لم يحذفوا المبتدأ أعربوها ولم يبنوها فقالوا «ضربت أيّهم هو في الدّار» بالنصب ؛ وإنما حسن حذف المبتدأ من صلة «أيّ» ولم يحسن حذفه مع غيرها من أخواتها لأن «أيّ» لا تنفك عن الإضافة ، فيصير المضاف إليه عوضا عن حذف المبتدأ ؛ بخلاف غيرها من أخواتها ؛ فلهذا حسن الحذف مع «أي» دون سائر أخواتها.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما احتجاجهم بقراءة من قرأ ثم لننزعن [٣٠١] من كل شيعة أيَّهم أشد بالنصب ـ فهي قراءة شاذة جاءت على لغة شاذة لبعض العرب ، ولم يقع الخلاف في هذه اللغة ، ولا في هذه القراءة ؛ وإنما وقع الخلاف في اللغة الفصيحة المشهورة ، والقراءة المشهورة التي عليها قرأة الأمصار (أَيُّهُمْ) بالضم ، وهي حجّة عليهم.
قولهم : «إن الضمة فيها ضمة إعراب لا ضمة بناء ، وإنه مرفوع لأنه مبتدأ لأن قوله : (لَنَنْزِعَنَّ) عمل في من وما بعدها ، واكتفى الفعل بما ذكر معه كقولهم : قتلت من كل قبيل» قلنا : هذا خلاف الظاهر ؛ لأن قوله : (لَنَنْزِعَنَّ) فعل متعدّ ؛ فلا بد أن يكون له مفعول إما مظهر أو مقدر ، و «أيَّهم» يصلح أن يكون مفعولا ، وهو ملفوظ به مظهر ، فكان أولى من تقدير مفعول مقدر.
__________________
(١) كذا ، وأظن أصل العبارة «لحذف المبتدأ».