أي : فأبيت لا يقال لي هذا حرج ولا محروم ، وحذف القول في كتاب الله تعالى وكلام العرب أكثر من أن يحصى ، وذهب يونس بن حبيب البصري إلى أن «أيهم» مرفوع بالابتداء ، و «أفضل» خبره ، ويجعل «أيهم» استفهاما ، ويعلّق «لأضربن» عن العمل في «أيهم» فينزل الفعل المؤثر منزلة أفعال القلوب نحو «علمت أيهم في الدار».
أما الكوفيون فاحتجّوا بأن قالوا : الدليل على أنه معرب منصوب بالفعل الذي قبله أنه قد جاء ذلك في كتاب الله تعالى وكلام العرب ، قال الله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ [٢٩٩] عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) [مريم : ٦٩] بالنصب ، وهي قراءة هارون القارىء ومعاذ الهراء ، ورواية عن يعقوب.
قالوا : ولا يجوز أن يقال «إن القراءة المشهورة بالضم هي حجة عليكم» لأنّا نقول : هذه القراءة لا حجة لكم فيها ، لأن الضمة فيها ضمة إعراب ، لا ضمة بناء ، فإن «أيّهم» مرفوع لأنه مبتدأ ، وذلك من وجهين :
______________________________________________________
فإنما أراد : كانت كلاب التي يقال لها : خامري أم عامر ، وقد زعم بعضهم أن رفعه على النفي ، كأنه قال : فأبيت لا حرج ولا محروم بالمكان الذي أنا به ، وقول الخليل حكاية لما كان يتكلم به قبل ذلك ، فكأنه حكى ذلك اللفظ ، كما قال :
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها |
|
بني شاب قرناها تصر وتحلب |
أي بني من يقال له ذلك. والتفسير الآخر الذي على النفي كأنه أسهل» اه كلامه. وقال الأعلم «الشاهد في رفع حرج ومحروم ، وكان وجه الكلام نصبهما على الحال ، ووجه رفعهما عند الخليل الحمل على الحكاية ، والمعنى فأبيت كالذي يقال : لا حرج ولا محروم ، ولا يجوز رفعه حملا على مبتدأ مضمر كما لا يجوز كان زيد لا قائم ولا قاعد على تقدير لا هو قائم ولا قاعد ، لأنه ليس موضع تبعيض وقطع ، فلذلك حمله على الحكاية ، كما قال بني شاب قرناها ، ويجوز رفعه على الابتداء وإضمار الخبر ، على معنى فأبيت لا حرج ولا محروم في المكان الذي أبيت فيه ، ثم حذف هذا لعلم السامع ، وإذا نفى أن يكون مبيته حرج أو محروم فهو غير حرج وغير محروم ، لأنه في ذلك المكان» اه كلام بحروفه ، وقوله «ولا يجوز رفعه حملا على مبتدأ مضمر» ليس على إطلاقه ، بل المراد أنه لا يجوز رفعه على إضمار مبتدأ تقديره : لا أنا حرج ولا محروم ، من غير تقدير حكاية كما هو في مطلع كلام سيبويه عن الخليل ، وكيف لا يكون على تقدير مبتدأ أصلا والحكاية إنما تقع في الجمل لا في المفردات؟ ولو سلمنا أن الحكاية بالقول تكون في المفردات فما يكون إعراب لا حرج المرفوع؟ وكيف كان يقول من يحكي كلامه؟ وقال السيرافي عن التخريج الثاني الذي ذكره سيبويه وذكره الأعلم أيضا ، وذكر سيبويه أنه أسهل «وهذا التفسير أسهل ؛ لأن المحذوف خبر حرج ، وهو ظرف ، وحذف الخبر في النفي كثير ، كقولنا : لا حول ولا قوة إلا بالله ، أي لنا» اه.