وأما البصريون
فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إن «إيا» هي الضمير دون الكاف والهاء والياء ، وذلك
لأنّا أجمعنا على أن أحدهما ضمير منفصل ، والضمائر المنفصلة لا يجوز أن تكون على
حرف واحد ؛ لأنه لا نظير له في كلامهم ؛ فوجب أن تكون «إيا» هي الضمير ؛ لأن لها
نظيرا في كلامهم ؛ والمصير إلى ما له نظير أولى من المصير إلى ما ليس له نظير ؛
ولهذا المعنى قلنا «إن الكاف والهاء والياء حروف لا موضع لها من الإعراب» ؛ لأنها
لو كانت معربة لكان إعرابها الجرّ بالإضافة ؛ ولا سبيل إلى الإضافة هاهنا ؛ لأن
الأسماء المضمرة لا تضاف إلى ما بعدها ؛ لأن الإضافة تراد للتعريف ، والمضمر في أعلى مراتب التعريف ؛ فلا يجوز إضافته إلى
غيره ؛ فوجب أن لا يكون لها موضع من الإعراب.
وأما قول من
ذهب من البصريين إلى أنه مضمر أضيف [٢٩٠] لأنه لا يفيد معنى بانفراده ، ولم يقع
معرفة فجاز أن يخص بالإضافة ـ فباطل ؛ لأن هذا الضمير ما وقع إلا معرفة ، ولم يقع
قطّ نكرة.
والذي يدلّ على
ذلك أن علامات التنكير لا يحسن دخولها عليه ، بل فيها إبهام تبينه هذه الحروف
كالتاء في «أنت» فإن الضمير هو «أن» وهو مبهم ، والتاء تبيّنه ؛ فإن كانت مفتوحة
دلّت على أنه ضمير المذكر ، وإن كانت مكسورة دلت على أنه ضمير المؤنث ، فكذلك
هاهنا : جعلت هذه الأحرف مبينة لذلك الإبهام مع كونه معرفة لا نكرة ، وكما لا يجوز
أن يقال «أن» مضاف إلى التاء ؛ فكذلك لا يجوز أن يقال إنّ «إيا» مضاف إلى الكاف
والهاء والياء وإذا حصلت الفائدة بهذه الأحرف لا على جهة الإضافة ـ ولها نظير في
كلامهم ـ كان أولى من جعل الضمير مضافا إليها ولا نظير له في كلامهم.
وهذا هو الجواب
عن مذهب من ذهب إلى أنه اسم مبهم مضاف ؛ لأن المبهم معرفة ، والمعرفة لا تضاف ؛
لأنه استغنى بتعريفه في نفسه عن تعريف غيره ؛ لأن الكحل يغني عن الكحل.
وأما من ذهب
إلى أنه اسم مظهر فباطل ؛ لأنه لو كان الأمر على ما زعم لما كان يقتصر فيه على ضرب
واحد من الإعراب وهو النصب ، فلما اقتصر فيه على ضرب واحد من الإعراب وهو النصب دل
على أنه اسم مضمر ، كما أنه لما اقتصر بأنا وأنت وهو وما أشبهها على ضرب واحد من
الإعراب وهو الرفع دل على أنها أسماء مضمرة ؛ إذ لا يعلم اسم مظهر اقتصر فيه على
ضرب واحد من الإعراب ،
__________________