وقول الآخر :
[٤٢٥] فظلت
في شرّ من اللّذ كيدا
|
|
كاللّذ تزبّى
زبية فاصطيدا
|
وأما البصريون
فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه لا يجوز أن تكون الذال وحدها فيهما هو الاسم ،
وذلك لأن «ذا ، والذي» كلّ واحد منهما كلمة منفصلة عن غيرها ؛ فلا يجوز أن يبنى
على حرف واحد ؛ لأنه لا بد من الابتداء بحرف والوقوف على حرف ؛ فلو كان الاسم هو
الذال وحدها لكان يؤدي إلى أن يكون الحرف الواحد ساكنا متحركا ، وذلك محال ؛ فوجب
أن يكون الاسم في «ذا» الذال والألف معا ، والاسم في «الذي» لذي ؛ لأن له نظيرا في
كلامهم ، نحو شجي وعمي ، وهو أقل الأصول التي تبنى عليها الأسماء ، وما نقص عن ذلك
من الأسماء التي أوغلت في شبه الحروف فعلى خلاف الأصل ، ولا يمكن إلحاق «ذا ،
والذي» بها ، ألا ترى أن «ذا» كاسم مظهر يكون وصفا وموصوفا؟ فكونه وصفا نحو قوله
تعالى : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي
هذا) [يوسف : ٩٣] وكونه موصوفا نحو قوله تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ) [الكهف : ٤٩] وكذلك لا يمكن إلحاق «الذي» بها بأن يحكم بزيادة اللام
الثانية كاللام التي تزاد للتعريف ؛ لأن زيادة اللام ليس بقياس مطرد ، وإنما يحكم
بزيادتها في كلمات يسيرة نحو «زيدل ، وعبدل ، وأولالك» ؛ [٢٨٠] لقيام الدليل على
ذلك ، كقولك في معناها : زيد ، وعبد ، وأولاك ، ولم يوجد هاهنا : فبقينا فيه على
الأصل.
والذي يدلّ على
أن الألف في «ذا» والياء في «الذي» أصليّتان قولهم في تصغير ذا «ذيّا» وأصله :
ذييّا ، بثلاث ياءات : ياءان من أصل الكلمة وياء للتصغير ؛ لأن التصغير يرد
الأشياء إلى أصولها ، واستثقلوا اجتماع ثلاث ياءات ؛ فحذفوا
______________________________________________________
[٤٢٥] هذان
بيتان من الرجز المشطور ، وهما لرجل من هذيل ، وقد أنشدهما ابن منظور (٢٠ / ٣٤٣)
عن الفراء من غير عزو ، وقد أنشد ثانيهما رضي الدين في باب الموصول من شرح الكافية
، وشرحه البغدادي في الخزانة (٣ / ٤٩٧) وأنشد ثانيهما أيضا ابن يعيش في شرح المفصل
(ص ٤٥٧) وتزبّى : اتّخذ زبية ، والزّبية ـ بضم الزاي وسكون الباء ـ حفرة بعيدة
الغور تصنع لاصطياد السبع ، إذا وقع فيها لم يستطع الخروج منها ، وفي أمثال العرب
: بلغ السيل الزبى ، يقولونه إذا بلغ الأمر منتهاه ، وإنما تتخذ الزبية في الجبال
لأنها موطن الأسود ، ويروى «الربا» بالراء مهملة ، وهو جمع ربوة ، وهي ما ارتفع
وعلا من الأرض.
وكيد : فعل ماض
مبني للمجهول من الكيد يقول : لقد ظللت في شر من الذي كدت في حقه ، فكنت كمن حفر
حفرة ليصطاد فيها فإذا هو واقع فيها. ومحل الاستشهاد من هذين البيتين قوله «في شر
من اللذ» وقوله «كاللذ تزبّى» حيث وردت كلمة «اللذ» في الموضعين محذوفة الياء
ساكنة الذال ، والكلام فيها كالكلام فيما سبق من الشواهد.