وأما قولهم : «إنه قد جاء في غير المدغم ، كقوله تعالى : (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ) [الأنعام : ١٦٢] فنقول : وجه هذه القراءة أنه نوى الوقف فحذف الفتح ، وإلّا فلا وجه لهذه القراءة في حال الوصل ، إلا أن يجري الوصل مجرى الوقف. وذلك إنما يجوز في حال الضرورة.
وأما ما حكي عن بعض العرب من قوله «التقت حلقتا البطان» وقول الآخر «ثلثا المال» فغير معروف ، والمعروف عن العرب حذف الألف من «حلقتا البطان ، وثلثا المال» وما أشبههما ؛ لالتقاء الساكنين ، وإن صح ما حكيتموه عن أحد من العرب فهو من الشاذ النادر الذي لا يقاس عليه ، ولا يعتد به لقلته.
وأما قولهم : «إنه يجوز تخفيف الهمزة في تحو هباءة ، والهمزة [٢٧٧] المخففة ساكنة» قلنا : لا نسلم أنها ساكنة ، بل هي متحركة ، وسنبين فساد ذلك مستقصى في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأما قراءة ابن عامر : (ولا تتّبعانْ) بالنون الخفيفة فهي قراءة تفرد بها ، وباقي القراء على خلافها ، والنون فيها للإعراب علامة الرفع ؛ لأن «لا» محمول على النفي ، لا على النهي ، والواو في «ولا» واو الحال ، والتقدير : فاستقيما غير متبعين ، كما قال الشاعر :
[٤٢١] بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم |
|
ولم تكثر القتلى بها حين سلّت |
______________________________________________________
[٤٢١] هذا البيت من شواهد ابن هشام في مغني اللبيب (رقم ٥٩٢) وابن يعيش في شرح المفصل (ص ٢٤٨) وأنشده ابن منظور (ش ي م) وعزاه إلى الفرزدق ، وقد وجدته في ديوان الفرزدق (ص ١٣٩) بيتا مفردا ، وأنشده ابن رشيق في العمدة (٢ / ١٧٨ بتحقيقنا) وعزاه إلى سليمان بن قنة في رثاء الحسين بن علي رضياللهعنهما وذكر آل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال : «ويروى للفرزدق» وروى صدره :
* أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم*
ورواه أبو العباس المبرّد في الكامل (١ / ١٨٠ الخيرية) ولم يشيموا سيوفهم : أي لم يغمدوها ، أي لم يعيدوها إلى قربها ، وقال قوم : المراد لم يسلوها ، أي لم يخرجوها من أغمادها ، فهو على هذا من الأضداد. ومحل الاستشهاد من هذا البيت ههنا قوله «ولم تكثر القتلى» فإن جماعة من العلماء ـ منهم ابن يعيش وابن هشام ـ ذهبوا إلى أن الواو في قوله «ولم تكثر ـ الخ» هي واو الحال ، قال ابن هشام «ولو قدرت للعطف لانقلب المدح ذما» اه ، وهذا مبني على أن معنى «لم يشيموا سيوفهم» لم يعيدوها إلى أغمادها ، يريد أنهم لم يعيدوها إلى أغمادها في حال عدم كثرة القتلى ، أي انتفت إعادتهم السيوف إلى الأغماد في حال عدم كثرة القتلى ؛ فيكون الثابت لهم إدخال السيوف في أغمادها حال كثرة القتلى ، وهذا مدح أي مدح ، وهو مبنيّ على جعل الواو للحال ، فأما إن جعلت الواو للعطف