فعطف ماء على تبنا ، وإن كان الماء لا يعلف ، وقال الآخر :
[٣٩٦] * شرّاب ألبان وتمر وأقط*
فعطف تمرا على ألبان ، وإن كان التمر لا يشرب ، فكذلك عطف الأرجل على الرؤوس وإن كانت لا تمسح.
وأما قول زهير :
[٢٥٤] * ... سوافي المور والقطر* [٣٨٩]
فلا حجّة لهم فيه ؛ لأنه معطوف على المور وهو الغبار ، وقولهم : «لا يكون معطوفا على المور لأنه ليس للقطر سواف» قلنا : يجوز أن يكون قد سمى ما تسفيه الريح منه وقت نزوله سوافي كما يسمى ما تسفيه الريح من الغبار سوافي.
وأما قول الآخر :
* كأنّ نسج العنكبوت المرمل* [٣٩١]
فنقول الرواية «المرمل» بكسر الميم ـ فيكون من وصف العنكبوت لا النسج ،
______________________________________________________
[٣٩٦] هذا بيت من الرجز المشطور ، وقد أنشده أبو العباس المبرّد في الكامل (١ / ١٩٦ و ٢١٨ الخيرية ، رغبة الآمل ٣ / ٢٣٤) من غير عزو ، ولم يتعرض له الأخفش بشيء ، والألبان : جمع لبن ، وهو معروف ، والتمر : معروف أيضا ، والأقط ـ بفتح الهمزة وكسر القاف وآخره طاء مهملة ـ وهو طعام يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل ، وقد يقال : أقط فلان القوم يأقطهم ـ من مثال ضرب يضرب ـ إذا أطعمهم الأقط ، كما يقال «لبنهم» أي أطعمهم اللبن ، و «لبأهم» أي أطعمهم اللبأ ، وحكى اللحياني : أتيت بني فلان فخبزوا وأقطوا وحاسوا ، أي أطعموني الخبز والأقط والحيس ، هكذا حكاه اللحياني من غير أن تعدى هذه الأفعال. ومحل الشاهد في هذا البيت قوله «وتمر» فإن ظاهره أن هذه الكلمة معطوفة بالواو على قوله «ألبان» فيكون قوله «شراب» مسلطا على المعطوف والمعطوف عليه ، لكن كل من التمر والأقط مطعوم مأكول ، لا مشروب ، كما هو واضح ، ولهذا خرّجه العلماء على أحد وجهين : الأول : أن تقدر عاملا للتمر يكون معطوفا على شراب ، والتقدير على هذا : شراب ألبان وطعام تمر وأقط ، والثاني : أن تتوسع في شراب فتضمنه معنى كلمة أخرى يصح أن تتسلط على المعطوف والمعطوف عليه جميعا ، والتقدير على هذا : متناول ألبان وتمر وأقط ، وهذا واضح إن شاء الله.
ومن شواهد هذه المسألة ما أنشده ابن جني (الخصائص ٢ / ٤٣٢) والمرتضى (الأمالي ٢ / ٢٥٩) من قول الراجز :
تسمع للأحشاء منه صردا |
|
وفي اليدين جسأة وبددا |
الجسأة ـ بالضم ـ الصلابة واليبس ، والبدد : التفرق ، وكل من الصلابة والتفرق لا يسمع ، فوجب أن تقدر لهما فعلا ، وكأنه قال : وترى في اليدين جسأة وبددا ، أو تضمن قوله تسمع معنى فعل يصح أن يتسلط على كل من الصرد والصلابة والتفرق ، وكأنه قال : تحس منه.