بمنزلة الاسم ، وهي الأصل في عوامل النصب في الفعل على ما بيّنا قبل ، وجاز أن تعمل «أن» الخفيفة مع الحذف دون أنّ الشديدة ، وإن كانت الشديدة أقوى من الخفيفة ؛ لأن الشديدة من عوامل الأسماء ، والخفيفة من عوامل الأفعال ، وعوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال ؛ لأن الفاء هاهنا صارت دالة عليها ، فصارت في حكم ما لم يحذف ، وكذلك الواو وأو ولام كي ولام الجحود وحتى ، صارت دالة عليها ، فجاز إعمالها مع الحذف ، بخلاف «أنّ» الشديدة ؛ فإنه ليس في اللفظ ما يدلّ على حذفها ، فبان الفرق بينهما.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : قولهم «إن الجواب لما كان مخالفا لما قبله وجب أن يكون منصوبا على الخلاف» قلنا : قد أجبنا عن هذا في غير موضع فيما مضى ؛ فلا نعيده هاهنا.
وأما من ذهب إلى أنها هي العاملة لأنها خرجت عن بابها ؛ قلنا : لا نسلّم ، فإنها لو كانت هي الناصبة بنفسها ، وأنها قد خرجت عن بابها لكان ينبغي أن يجوز دخول حرف العطف عليها ، نحو «ايتني وفأكرمك وفأعطيك» وفي امتناع دخول حرف العطف عليها دليل على أن الناصب غيرها ، ألا ترى أن واو القسم لما خرجت عن بابها جاز دخول حرف العطف عليها ، نحو «فو الله لأفعلن ، وو الله لأذهبن» لأن الحرف إنما يمتنع دخوله على حرف مثله إذا كانا بمعنى واحد ، فلما امتنع [٢٣٢] دخول حرف العطف هاهنا على الفاء دلّ أنها باقية على حكم الأصل ؛ فلا يجوز أن يدخل عليها حرف العطف ، والله أعلم.