.................................................................................................
______________________________________________________
أن نجيب عنه بأن نقول : القاعدة المقررة أن كل موضع يصح تقدير المصدر فيه وتقدير الجملة ، وتقع فيه «إنّ» فإنه يجوز فيها الفتح والكسر ، ولا شك أن المثال المذكور وهو مذ أن الله خلقه يجوز أن يكون التقدير فيه : مذ خلق الله إياه ، وأن يكون : مذ هو مخلوق ، وإذا كان الكسر إنما يجوز بهذا الاعتبار فكيف يلزم من القول بجوازه إبطال أن يكون الاسم المرفوع الواقع بعد «مذ أو منذ» مرفوعا بعامل مقدر ، فإن المصنف يقول : إذا فتحت «أن» فتقدير العامل أعني الواقع لا شك فيه ، وإذا كسرت كانت الجملة بتمامها واقعة بعد «مذ» واستحقت «إنّ» الكسر لذلك ، فما وجه فتح «أن» على هذا التقدير؟.
ثم اعلم أن ابن عصفور ذكر أحكاما تتعلق بهاتين الكلمتين أعني «مذ ومنذ» ، فمنها : أن الفعل الواقع قبلهما إن كان منفيّا فلا تفصيل فيه ، بل كل نفي جائز أن يقع قبلهما ، وقد مرت أمثلة ذلك ، وإن كان الفعل الواقع قبلهما موجبا فلا بد أن يكون ذلك الفعل متطاولا ممتدّا ، وإلا لم يجز فتقول : مررت مذ يوم الجمعة ، ولا تقول : قتلت عمرا منذ يوم الجمعة ؛ لأن السير يمتد والقتل لا [٢ / ٤٤٤] يمتد ، وكذا الحكم فيما هو للحال ، لا يجوز قتلت زيدا منذ يومنا ؛ لأن معناه : في يومنا ، والقتل لا يمتد في اليوم أجمع ، وإنما يكون في جزء منه ، ولا شك أنهما يقدران مع زمن الحال بفي ، قال : فتقول : ما رأيته في يومنا ، فهو لم يره في جزء من اليوم ، وإذا قلت : سرت مذ يومنا ، فالسير في جملة اليوم بخلاف قولك : سرت في اليوم ، فهي مع المنفي توافق سائر الظروف في أن الفعل لم يقع في جزء من اليوم ، ومع الموجب تخالف ، لأنك إذا قلت : سرت اليوم أمكن أن يكون السير في بعض اليوم بخلاف «مذ» ؛ لأنه لا يكون السير الموجب إلا في جميع اليوم (١).
ومنها : أن الواقع بعدهما إذا كان معدودا فإن العرب تختلف فيه ، فمنهم من لا يعتد بالناقص أصلا ، وإنما يعتد بالكامل ، فإذا قال : ما رأيته مذ ثلاثة أيام فلا بد أن تكون الثلاثة بجملتها لم يره فيها ، ومنهم من يعتد بالناقص الأول ، فإذا رأى شخصا ظهر يوم الجمعة ثم انقطعت الرؤية إلى ظهر يوم الاثنين قال : ما رأيته مذ ثلاثة أيام ، ولا يعتد بالناقص الثاني. ـ
__________________
(١) شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٤١).