.................................................................................................
______________________________________________________
أنك فاضل ، فلك أن تقدر موضع «أن» مصدرا منصوبا على أن تكون حتى عاطفة ، ومجرورا على أن تكون جارة (١) ، وإذا وقعت «إنّ» بعد «لا جرم» فالمشهور الفتح ، وبه قرأ القراء. قال الفراء : «لا جرم» كلمة كثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة «حقّا» وبذلك فسرها المفسرون ، وأصلها من «جرمت» أي كسبت. وتقول العرب : لا جرم لآتينك ، ولا جرم لقد أحسنت فتراها بمنزلة اليمين (٢). قلت :ولإجرائهم إياها مجرى اليمين حكي عن بعض العرب كسر «إنّ» بعدها (٣).
وذكر ابن كيسان (٤) في نحو : والله إنّ زيدا كريم بلا لام أن الكوفيين يفتحون ويكسرون ، والفتح عندهم أكثر (٥). قال الزجاجي في جمله : وقد أجاز بعض النحويين فتحها بعد اليمين واختاره بعضهم على الكسر ، والكسر أجود وأكثر في كلام العرب والفتح جائز قياسا (٦). كذا قال أبو القاسم ، قلت : قد تقدم قوله :والكسر أجود وأكثر في كلام العرب ، وهذه العبارة تقتضي أن يكون الفتح مستعملا في كلامهم استعمالا أقل من استعمال الكسر (٧) ثم أشار إلى أن الفتح جائز قياسا ، وليس كما قال ، فإنّ الفتح يتوقف على كون المحل مغنيا فيه المصدر عن العامل والمعمول ، وجواب القسم ليس كذلك ، والكسر يتوقف على كون المحل محل جملة لا يغني عنها مفرد وجواب القسم كذلك ، فوجب لأن الواقعة فيه الكسر قياسا (٨) ، ولذلك أجمعت القراء على كسر (إِنَّا جَعَلْناهُ)(٩) في أول الزخرف ، و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ)(١٠) في أول الدخان مع عدم اللام (١١) ، فإن ورد «أنّ» بالفتح ـ
__________________
(١) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (٦٤) ، والتصريح (١ / ٢٢٠) ، وشرح الكافية للرضي (٢ / ٣٥١) والمطالع السعيدة (ص ٢٢٦).
(٢) معاني القرآن للفراء (٢ / ٨ ـ ٩).
(٣) ينظر الهمع (١ / ١٣٧) ، والأشموني (٢ / ٢٧٩).
(٤) سبقت ترجمته.
(٥) ينظر في هذه المسألة شرح عمدة الحافظ (١٣٢) ، والتذييل (٢ / ٧٠٠) ، وشرح الألفية لابن الناظم (٦٣).
(٦) الجمل للزجاجي (ص ٧٠) تحقيق ابن أبي شنب.
(٧) ينظر شرح عمدة الحافظ (١٣٢).
(٨) ينظر شرح الألفية للمرادي (١ / ٣٤١) ، والأشموني (١ / ٢٧٧).
(٩) سورة الزخرف : ٣.
(١٠) سورة الدخان : ٣.
(١١) ينظر الكشاف (٢ / ٣٤٥ ، ٣٥٨) ، وإملاء ما منّ به الرحمن (٢ / ٢٢٩).