وإذا كان هذا حال قصائد الرثاء في شعر الرجال ، فإن الرثاء في شعر النساء سيكون كذلك أيضا ، فالمرأة لا تقف على أطلال الحبيب ، ولا تشبب بحبيبها ، ولا ترتحل على ناقة .. فإن وقفت ، فإنما تقف على القبر.
وأما مضمون قصيدة الرثاء ، فهو إظهار الحزن على الميت ، وذكر مآثره ، والحكمة التي تقول إن الخلود لا يكون لحيّ ، والاتّعاظ بما كان للأمم السابقة من ملوك وشجعان ، وضرب الأمثلة لكون كل من على الأرض لا بدّ أن يموت .. وهذا كله لا يخرج عن موضوع الرثاء ، مما يحقق للقصيدة الوحدة العضوية والتلاحم بين الأبيات.
٤ ـ ووصلتنا قصائد مطولة تتضمن نصائح ووصايا ، وكلّها ذات وحدة فنية وموضوعية. منها قصيدة عبدة بن الطبيب التي نصح فيها بنيه ، ومطلعها :
أبنيّ إني قد كبرت ورابني |
|
بصري وفيّ لمصلح مستمتع |
وعدة أبياتها ثلاثون بيتا ، وهي من «المفضليات».
وقصيدة عبد قيس بن خفاف التي نصح بها ابنه جبيلا ، ومطلعها :
أجبيل إنّ أباك كارب يومه |
|
فإذا دعيت إلى العظائم فاعجل |
وعدة أبياتها ثمانية عشر بيتا ، وهي من أولها إلى غايتها سياسة رسمها الشاعر لابنه جبيل اقتبسها من خلق العربي ومن تجاربه هو وحنكته ، فهي بذلك سجلّ للمثل الأخلاقي العالي عند العرب.
وقصيدة يزيد بن الحكم الثقفي التي نصح فيها ابنه بدرا حيث يقول في مطلعها :
يا بدر والأمثال يض |
|
ربها لذي اللب الحكيم |
دم للخليل بودّه |
|
ما خير ودّ لا يدوم |
وعدة أبيات القصيدة في «الحماسة» ثلاثة وعشرون بيتا ، وربما كانت أطول من ذلك وما في «الحماسة» هو المختار منها.
وبعد : فتلك كانت معالم في طريق دراسة تحتاج إلى مجلد كبير لبسطها. ولعلّ