.................................................................................................
______________________________________________________
وإنما تعين النصب على الظرفية في أنت مني فرسخين ؛ لأن قوله : أنت مني مبتدأ وخبر ، أي أنت من أشياعي ، بخلاف أنت مني فرسخان وأنت تريد بعدك مني ؛ فإن مني متعلق بذلك المقدر المحذوف وليس في موضع الخبر ، وإنما الخبر فرسخان ؛ فمن رفع فالتقدير : بعد مكانك مني فرسخان ، ومن نصب فعلى الظرف وهو في موضع الخبر ، وانتصاب فرسخين في أنت مني فرسخين بالخبر الذي يتعلق به مني ، أي أنت تابع من أتباعي في فرسخين أي في سيرنا فرسخين.
قال الشيخ (١) : «وظاهر كلام المصنف أنّ فرسخين منصوب بذلك الّذي قدّره وهو ما سرنا فرسخين ، وليس بجيّد ؛ لأن ما سرنا : ما فيه مصدرية ظرفية ، وسرنا صلة ما ، وفرسخين معمول لصلة ما ، ولا يجوز حذف الموصول والصلة وإبقاء معمولها».
وقال سيبويه (٢) : «أنت مني فرسخين تقديره : أنت منّي ما دمت تسير فرسخين».
قال الشيخ : «وهو شبيه بتقدير المصنّف ؛ إلا أن سيبويه جعل صلة ما دام النّاقصة ، وحذف ما ودام وخبرها وأبقى معمول الخبر ، فهو أبعد من تقدير المصنف.
وقد رد أحمد بن يحيى (٣) على سيبويه قوله ، فقال (٤) : ليس على هذا الإضمار دليل ولا يدعو إليه [١ / ٣٧٥] اضطرار ، ولا ينبغي أن يطلب الإضمار إذا قام الكلام الظّاهر بنفسه». والذي ينبغي أن يخرّج عليه كلام سيبويه وتقديره ـ أنه تفسير معنى لا تفسير إعراب ؛ لأنه إذا كان تابعا من أتباعه في فرسخين دلّ على أنه لا يكون تابعه في أكثر منها ، فهذا معنى قول سيبويه : ما دمت تسير فرسخين ، وإذا كان تفسير معنى بطل ردّ ابن يحيى.
__________________
(١) هو أبو حيان ، وانظر التذييل والتكميل (٤ / ٧٢) وقد نقل منه الشارح هذا الموضع إلى آخر شرحه.
(٢) الكتاب : (١ / ٤١٧) ونصه : «وتقول : أنت مني فرسخين أي أنت مني ما دمنا نسير فرسخين ، فيكون ظرفا كما كان ما قبله مما شبّه بالمكان».
(٣) يقصد به أبا العباس ثعلبا شيخ الطبقة الخامسة من الكوفيين ولد سنة (٢٠٠ ه) ، عني بالنحو أكثر من غيره ، فحفظ كتب الفراء كما حفظ كثيرا من الشعر والمعاني والغريب ، لزم ابن الإعرابي وسمع من محمد بن سلام الجمحي حتى فاق أصحابه ، وروى عنه اليزيدي ونفطويه وأبو عمر الزاهد ، جاءت له بشرى من النبي صلىاللهعليهوسلم بأنه صاحب العلم المستطيل وهو علم النحو.
له مجالس ثعلب وهو مطبوع مشهور (دار المعارف) كما صنف : فصيح ثعلب ، والمصون في النحو ، والأمالي ، وغريب القرآن. توفي سنة (٢٩١ ه).
ترجمته في : بغية الوعاة (١ / ٣٥٦).
(٤) التذييل والتكميل (٤ / ٧٣).