هارون النبوّة في بيته محتفظاً بالهدنة التي اعلنها حتى تجتمع الناس عليه ومراقباً للموقف ليتدخّل فيه متى شاء متزعماً للثورة إذا بلغت حدها الأعلى أو مهدئاً للفتنة إذا لم يتهيّأ له الظرف الذي يريده. فالحوراء بمقاومتها أمّا ان تحقق انتفاضاً اجماعياً على الخليفة وأمّا أن لا تخرج عن دائرة الجدال والنزاع ولا تجرّ إلى فتنة وانشقاق.
وإذن فقد أراد الإمام صلوات الله عليه أن يسمع الناس يومئذ صوته من فم الزهراء ويبقى هو بعيداً عن ميدان المعركة ينتظر اللحظة المناسبة للإستفادة منها والفرصة التي تجعل منه رجل الموقف. وأراد أيضاً أن يقدم لأمة القرآن كلّها في المقابلة الفاطمية برهاناً على بطلان الخلافة القائمة. وقد تمّ للإمام ما أراد حيث عبرت الزهراء صلوات الله عليها عن الحق العلوي تعبيراً واضحاً فيه ألوان من الجمال والنضال.
وتتلخّص المعارضة الفاطمية في عدة مظاهر : ـ
الأوّل : ـ إرسالها لرسول ينازع أبا بكر في مسائل الميراث ويطالب بحقوقها وهذه هي الخطوة الأولى التي انتهجتها الزهراء صلوات الله عليها تمهيداً لمباشرتها للعمل بنفسها.
الثاني : ـ مواجهتها بنفسها له في اجتماع خاص وقد أرادت بتلك المقابلة أن تشتد في طلب حقوقها من الخمس وفدك وغيرهما لتعرف مدى استعداد الخليفة للمقاومة.
ولا ضرورة في ترتيب خطوات المطالبة على أسلوب تتقدم فيه دعوى النحلة على دعوى الميراث كما ذهب إلى ذلك أصحابنا بل قد يغلب على ظني تقدم المطالبة بالإرث لأنّ الرواية تصرح بانّ رسول الزهراء انّما كان يطالب بالميراث والأقرب في شأن هذه الرسالة أن تكون أولى الخطوات كما يقضي به التدرج الطبيعي للمنازعة وأيضاً فانّ دعوى الإرث أقرب