وكان سبب قتله أن البسوس ـ وهى امرأة من غنىّ ، وضربت العرب بها المثل فى الشؤم ، فقالوا : أشأم من البسوس ـ كانت فى جوار جسّاس بن مرّة ، فمرت إبل لكليب تريد الماء ، فاختلطت بها ناقة للبسوس ، فوردت معها الماء ، فرآها كليب ، فأنكرها ، فقال : لمن هذه الناقة؟ فقال الرّعاء : للبسوس جارة جسّاس ، فرماها بسهم ، فانتظم ضرعها ، فأقبلت الناقة تعجّ وضرعها يسيل دما ولبنا ، فلما رأتها البسوس قذفت خمارها ، ثم صاحت : واذلّاه! وجاراه! فأغضبت جسّاسا ، فركب فرسه ، وأخذ رمحه ، وتبعه عمرو بن الحارث ابن ذهل بن شيبان على فرسه ، ومعه رمح ، فركضا نحو الحمى والخباء ، فلقيا رجلا فسألاه : من رمى الناقة؟ فقال : من حلّأكما عن برد الماء وسامكما الخسف ، فأقررتما به ، فزادهما ذلك حميّة وغضبا.
يقال : حلأه عن الماء : إذا طرده عنه ، وسام فلان فلانا الخسف : إذا أولاه الدّنيّة.
فأقبلا حتى وقفا على كليب ، فقال له جساس : يا أبا الماجد ، أما علمت أنها [ناقة] جارتى؟ فقال كليب : وإن كانت ناقة جارتك! فمه؟ أتراك مانعى أن أذبّ عن حماى؟ فأغضبه ذلك ، فحمل عليه ، فطعنه وطعنه عمرو ، فقتلاه ، وفيه هاجت حرب بكر وتغلب ابنى وائل أربعين عاما ؛ وقالت الشعراء فى بغى كليب ، وضربوه مثلا.
وقوله «ينفذ مثلها» أى : مثل الطعنة التى طعنها جسّاس بن مرة كليب ابن ربيعة ، وحسن إضمار الطعنة وإن لم يجر لها ذكر ؛ لأن ذكر المطعون دلّ عليها
وتقدمت ترجمة العباس بن مرداس فى الشاهد السابع عشر من شواهد شرح الكافية.