وسبب هجوه أن الراعى كان شاعر مضر وذا سنّها ، ولما قدم البصرة دخل بين جرير والفرزدق ، فقال : [من الكامل]
يا صاحبىّ دنا الأصيل فسيرا |
|
غلب الفرزدق فى الهجاء جريرا |
فلقيه جرير ، فقال له : إنى وابن عمى الفرزدق نستب صباحا ومساء ، وما عليك من غلبة الغالب والمغلوب ، فإما أن تكف عنا ، وإما أن تغلّبنى ، فقال له الراعى : صدقت ، لا أبعدك [الله] من خير ، فبينما هما فى القول إذ رآهما جندل بن الراعى فأقبل على فرس له فضرب بغلة أبيه وقال له : مالك يراك الناس واقفا على كلب بنى كليب ، فصرفه عنه ، فقال جرير : أما والله لأثقلن رواحلك ، ثم أقبل إلى منزله وقال لراويته : زد فى دهن سراجك الليلة وأعدد لوحا ودواة ، ثم أقبل على هجاء بنى نمير ، فلم يزل يملى حتى ورد عليه قوله :
*فغض الطرف إنك من نمير ... البيت*
فقال : حسبك أطفىء سراجك ونم ، فرغت منه
ثم إن جريرا أتم القصيدة بعد وسماها الدامغة حتى إذا أصبح ورأى الراعى فى سوق الابل أنشده إياها حتى وصل إلى قوله
أجندل ، ما تقول بنو نمير |
|
إذا ما الأير فى است أبيك غابا؟ |
فقال الراعى : شرا والله تقول ، إلى أن قال :
إذا غضبت عليك بنو تميم |
|
رأيت النّاس كلّهم غضابا |
فغضّ الطّرف إنّك من نمير |
|
... البيت |
قال ابن رشيق فى العمدة : «وممن وضعه ما قيل فيه من الشعر حتى أنكر نسبه وسقط عن رتبته وعيب بفضيلته : بنو نمير ، كانوا جمرة (١) من جمرات العرب إذا سئل أحدهم : ممن الرجل؟ فخّم لفظه ومدّ صوته وقال : من بنى نمير ، إلى أن صنع جرير قصيدته التى هجا بها الراعى فسهر لها فطالت ليلته إلى أن قال :
__________________
(١) الجمرة : القبيلة التى لا تحالف غيرها اعتدادا بنفسها