إن الصواب رجل بالرفع خبر لإنّ ، وعلى هذا الإعراب يفسد المعنى المراد فى البيت ، ولا يتحصل له معنى ألبتة ، وله حكاية مشهورة بين أهل الأدب.
رووا عن أبى عثمان المازنى أن بعض أهل الذمّة بذل له مائة دينار على أن يقرئه كتاب سيبويه ، فامتنع من ذلك مع ما كان به من شدّة احتياج ، فلامه تلميذه المبرد ، فأجابه بأن الكتاب مشتمل على ثلثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله تعالى ، فلا ينبغى تمكين ذمىّ من قراءتها ، ثمّ قدّر أن غنّت جارية بحضرة الواثق بهذا البيت ، فاختلف الحاضرون فى نصب رجل ورفعه ، وأصرّت الجارية على النصب ، وزعمت أنها قرأته على أبى عثمان كذلك ، فأمر الواثق بإشخاصه من البصرة ، فلما حضر أوجب النصب ، وشرحه بأن مصابكم بمعنى إصابتكم ، ورجلا مفعوله ، وظلم الخبر ، ولهذا لا يتم المعنى بدونه ، قال : فأخذ اليزيدىّ فى معارضتى ، فقلت له : هو كقولك «إن ضربك زيدا ظلم» فاستحسنه الواثق ، ثم أمر له بألف دينار ، وردّه مكرما ، فقال للمبرد : تركنا لله مائة دينار فعوضنا ألفا.
الجهة الثانية : أن يراعى المعرب معنى صحيحا ، ولا ينظر فى صحته فى الصناعة ، وها أنا مورد لك أمثلة من ذلك.
أحدها : قول بعضهم فى (وَثَمُودَ فَما أَبْقى) إن ثمودا مفعول مقدم ، وهذا ممتنع ، لأن لما النافية الصّدر ، فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وإنما هو معطوف على (عاداً) أو هو بتقدير وأهلك ثمودا ، وإنما جاء :
*ونحن عن فضلك ما استغنينا* [١٣٧]
لأنه شعر ، مع أن المعمول ظرف ، وأما قراءة عمرو بن فائد (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) بتنوين شر ، فما بدل من شر ، بتقدير مضاف ، أى من شر شر ما خلق ، وحذف الثانى لدلالة الأول.