وهو ان اصحاب الكتب الاربعة قد اعتمدوا على اجتهاداتهم ووثوقهم بتلك المرويات التي دونوها في مجاميعهم كما يبدو ذلك من بعض كلماتهم التي تشير إلى هذا المعنى ، فان قول الكليني : وقد يسر لي الله تأليف ما سألت ، وارجو ان يكون بحيث توخيت ، ظاهر في انه اعتمد على اجتهاداته ودراسته في انتقاء الا حاديث التي دونها في الكافي ، وقد تلقى العلماء تلك المجاميع بالقبول والتقدير نظرا لثقتهم باصحابها في دينهم وعلمهم ، فحسن الظن بالكليني وغيره من مؤلفي الكتب الاربعة. يسر لهذه الكتب ان تحتل تلك المكانة الرفيعة في نفوس العلماء والمحدثين نحوا من ثلاثة قرون تقريبا ، وبلغ الحال ببعض الاخباريين الذين لا يتخطون حرفية النصوص ، ولا يفسحون حتى للعقل ان يتدخل في شئ من امور الدين ، بلغ الحال بهم ان اعتبروها من نوع المقطوع بصدوره عن المعصوم ، واستمروا على تعصبهم لها إلى العصور المتأخرة ، ووجهوا إلى العلامة الحلي واستاذه التهم والشتائم ، واعتبروا تصنيفه للحديث إلى الاصناف الاربعة من نوع البدعة والخروج على طريقة السلف الى الصالح وسيرتهم ، ولا تزال فلولهم إلى اليوم تتمسك بمرويات الكافي وكانها من وحي السماء ، مع العلم بأن العلامة قد خدم السنة والمذهب ، وفضح اساليب الدساسين والمنحرفين الذين ألصقوا بالمرويات الصحيحة آلاف الروايات التي اتخذها اخصام الشيعة سلاحا للهدم والتخريب ، والتشويش على الشيعة وأئمتهم (ع).
هذه الثقة العظيمة بالمحمدين الثلاثة ـ محمد بن يعقوب الكليني ومحمد بن الحسن الطوسي ومحمد بن بابويه ـ وبخاصة الكليني هي التي جعلت للكافي تلك الحصانة عند المتقدمين من فقهاء الامامية ومحدثيهم ، ولما جاء دور العلامة الحلي واستاذه ووجدا بين مرويات الكافي وغيره من كتب إلحديث ما لا يجوز الاعتماد عليه والركون إليه وقفا منها موقف المتحرر من التقليد والتبعية العمياء ، وتابعهما على ذلك