٦ ـ يقال : إن السبب في وضع أسس هذا العلم خاضع لمصادفة عارضة. فقد تحدث الرّواة عن قوم دخلوا على زياد ابن أبيه فقالوا له : «توفي أبانا وترك بنون» فاستاء زياد من هذا اللّحن القبيح ودعا أبا الأسود وأمره بوضع علم النحو.
٧ ـ ويقال إن السبب في ذلك هو أن أبا الأسود الدؤلي دخل بيته فقالت له ابنته تتعجب : ما أشدّ الحرّ. فقال لها : في الصيف أو الحصباء بالرّمضاء. فقالت : إنني لا أسألك بل أخبرك وأتعجب. فقال لها : قولي : ما أشدّ الحرّ. فشكا فساد لسانها لعلي بن أبي طالب الذي وضع له بعض أبواب النّحو قائلا : انح هذا النحو.
واضعه : يرى بعض النحاة والرواة أن أبا الأسود الدؤلي هو أول من وضع علم النحو ، كما سبقت الإشارة ، ويرى غيرهم أن يحيى بن يعمر اتفق مع عطاء بن أبي الأسود بعد موت أبيه على بسط النحو وتعيين أبوابه مما دعاهم إلى نسبة بعض أبواب النحو إليهما. ويروي أبو الطيب اللغوي في مراتبه قال : «وحدث عمر بن شبة قال : حدّثني عبد الله بن محمد التّوّزي الصّدوق ـ ما علمت ـ العفيف قال : سمعت أبا عبيدة معمر ابن المثنى يقول : أول من وضع العربيّة أبو الأسود الديلي ثم ميمون الأقرن ، ثم عنبسة الفيل ، ثم عبد الله بن أبي إسحق».
والواقع أنهم اختلفوا على غير أبي الأسود واتفقوا جميعا على أن أبا الأسود هو أول من وضع علم النحو. وعلى كل حال فإن العلماء اتجهوا بعد أبي الأسود إلى تنمية هذا العلم ، وإكمال أبوابه ، وتفصيل مسائله ، فنشط فريق منهم ، وكان ميدان هذا النّشاط العراقين : البصرة والكوفة فنشأت للنّحاة سبع طبقات أو مدارس متعاقبة للبصريين أخذ اللّاحقون منهم عن السّابقين وخمس مدارس للكوفيين وهؤلاء احتملوا أعباء البحث في النّحو وذلّلوا صعابه ، ووصلوا به في نهاية القرن الثالث الهجري إلى وضع ألمّوا فيه بجميع مسائله. وقد سبقت مدارس البصرة مدارس الكوفة في دراسة النحو بمائة عام فالتقت الطبقة الثالثة البصريّة وإمامها الخليل بن أحمد الفراهيدي مع الطبقة الأولى الكوفيّة وإمامها أبو جعفر الرؤاسي. ارتباطه بغيره من العلوم : لم ينشأ علم النحو مستقلّا فقد ارتبطت نشأته بجملة من العلوم.
١ ـ أخذ عن الحديث العناية بالسّند ، فكان العلماء في بدء الرّواية يذكرون السند في لغتهم وقواعدهم بشأن الفقهاء في جمع الحديث لكن علماء اللّغة لم يستطيعوا المضيّ على هذا المنهاج من إثبات السّند ، يدلنا على ذلك عدم وجود معجم لغة بهذا الإسناد ، وربما لم يستطيعوا ذلك لأن اللغة أوسع جدا من الحديث ، واللّغة ليس لها من التّقديس ما للحديث إذا استثنينا ألفاظ القرآن.
٢ ـ أخذ النّحو عن علم الكلام الفلسفة والتّعليل ، ففلسفوا اللّغة واعتمدوا على المنطق والقياس.
٣ ـ أخذ النحو عن الفقه الأصول ونزعة الاجتهاد والاعتماد على السّماع والقياس والإجماع.
تأثر النّحو بجملة هذه العلوم مما سبّب على ممر العصور المبالغة في التمسك بنظريات العلل والأقيسة والعوامل ممّا أبعده عن طبيعته اللّغويّة ومهمّته الأساسيّة.
مدارسه : المدارس البصريّة. المدارس الكوفيّة. المدارس البغداديّة. المدارس