يكون النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني ، لأن من يلتفت لا بد أن يقع له أدنى وقفة (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) قال الجوهري : مضى الشيء مضيا ذهب ، ومضى في الأمر مضيا أنفذه. وقال في الكشاف : عدى (وَامْضُوا) إلى (حَيْثُ) تعديته إلى الظرف المبهم لأن (حَيْثُ) مبهم في الأمكنة ، وكذلك الضمير في (تُؤْمَرُونَ) قلت : حاصل الكلام يرجع إلى قوله : اذهبوا إلى المكان الذي تؤمرون بالذهاب إليه ، أو أنفذوا أمر الذهاب إلى هنالك. عن ابن عباس : إنه الشام. وقيل : مصر. وقال المفضل : حيث يقول لكم جبرائيل وكانت قرية معينة ما عمل أهلها عمل قوم لوط. ثم أخبر عن حالهم مجملا فقال : (وَقَضَيْنا) ضمن معنى أوحينا ولذلك عدي بإلى كأنه قيل : وأوحينا. (إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) مقتضيا مبتوتا. ثم فسر ذلك الأمر بقوله : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) أي يستأصلون عن آخرهم حال ظهور الصبح ودخولهم فيه. وفي هذا الإجمال والتفسير تفخيم لشأن الأمر وتعظيم له.
ثم حكى ما أبدى قوم لوط من الفعال بعد نزول الملائكة فقال : (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) أي أهل سذوم التي ضرب بقاضيها المثل فقيل أجور من قاضي سذوم. (يَسْتَبْشِرُونَ) بظهور السرور بمجيء الملائكة لأنهم رأوهم مردا حسان الوجوه (قالَ) لوط لما قصدوا أضيافه (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) بفضيحة ضيفي لأن الضيف يجب إكرامه فإذا أسيء إليه في دار المضيف كان ذلك إهانة وفضيحة للمضيف. يقال : فضحه يفضحه فضحا وفضيحة إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار (وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ) مر في «هود» (قالُوا) في جواب لوط (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) أي ألسنا نهيناك عن أن تكلمنا في شأن أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة؟ وكانوا يتعرضون لكل أحد ، وكان لوط عليهالسلام ينهاهم عن ذلك فأوعدوه نظيره (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) [الشعراء : ١١٦] وقيل : نهوه عن ضيافة الناس وإنزالهم (قالَ هؤُلاءِ بَناتِي) من الصلب أو أراد نساء أمته كما مر في «هود». قال جار الله (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) شك في قبولهم لقوله كأنه قال وما أظنكم تفعلون. وقيل : إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فبما أحل الله دون ما حرم. ثم قالت الملائكة للوط عليهالسلام (لَعَمْرُكَ) مبتدأ محذوف الخبر لكثرة الاستعمال أي قسمي أو هو مما أقسم به. والعمر والعمر بالفتح والضم واحد إلّا أنهم خصوا القسم بالمفتوح اتباعا للأخف ، فإن الحلف كثير الدور على ألسنتهم (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) غوايتهم التي أذهبت عقولهم حتى لم يميزوا بين خطئهم وصوابك (يَعْمَهُونَ) يتحيرون فكيف يقبلون قولك الذي تأمرهم به من ترك البنين إلى البنات؟ وقيل : إنه