التفسير : إن قصة إبراهيم صلىاللهعليهوسلم يحتمل أن تكون مثالا للكلمة الطيبة وأن تكون دعاء إلى التوحيد وإنكارا لعبادة الأصنام ، وأن تكون تعديدا لبعض نعمه على عبيده فإن وجود الصالحين ولا سيما الأنبياء والمرسلين رحمة فيما بين العالمين كما قال : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً) [آل عمران : ١٦٤]. وذلك بدعاء إبراهيم ومن نسله صلىاللهعليهوسلم نبينا صلىاللهعليهوسلم. حكى الله سبحانه عنه طلب أمور منها : قوله : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) وقد مر في «البقرة» الفرق بين هذه العبارة وبين ما هنالك. ولا ريب أن في مكة مزيد أمن ببركة دعائه حتى إن الناس مع شدة العداوة بينهم كانوا يتلاقون بمكة فلا يخاف بعضهم بعضا ، وكان الخائف إذا التجأ بمكة أمن ، وللوحوش هناك استئناف ليس في غيرها ، وإنما قدم طلب الأمن على سائر المطالب لأنه لولاه لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من مهمات الدين والدنيا ومن هنا جاز التلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه. وسئل بعض الحكماء أن الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال : الأمن دليله أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان ، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل وإنها لو ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب فإنها تمسك عن العلف ولا تتناول شيئا إلى أن تموت ، فدل ذلك على أن الضرر الحاصل من الخوف أشد من الألم الحاصل للجسد. ومنها قوله : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) قال جار الله : أهل الحجاز يقولون : جنبني شره بالتشديد. وأهل نجد : جنبني وأجنبني. وفائدة الطلب ـ والاجتناب حاصل ـ التثبت والإدامة ولا أقل من هضم النفس وإظهار الفقر والحاجة والتماس العصمة من الشرك الخفي. أما قوله : (وَبَنِيَ) فقيل : أراد بنيه من صلبه وأنهم ما عبدوا صنما ببركة دعائه. وقيل : أولاده وأولاد أولاده ممن كانوا موجودين حال دعوته. وقال مجاهد وابن عيينة : لم يعبد أحد من ولد إبراهيم صنما وهو التمثال المصور ، وإنما عبدت العرب الأوثان يعني أحجارا مخصوصة كانت لكل قوم زعموا أن البيت حجر فحيثما نصبنا حجرا فهو بمنزلة البيت ، فكانوا يدورون بذلك الحجر ويسمونه الدوار ولذلك استحب أن يقال : طاف بالبيت ولا يقال دار بالبيت. وضعف هذا الجواب بأنه إذا عبد غير الله فالوثن والصنم سيان ، على أنه سبحانه وصف آلهتهم بما ينبىء عن كونهم مصورين كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) [الأعراف : ١٩٨] الآيات إلى قوله : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [الأعراف : ١٩٨]. وقيل : إن هذا الدعاء مختص بالمؤمنين من أولاده بدليل قوله : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) أي من أهلي فإنه يفهم منه أن من لم يتبعه في دينه فإنه ليس من أهله كقوله لابن نوح (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود : ٤٦] وقيل : إنه وإن عمم الدعاء إلا أنه أجيب في البعض كقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤]. قالت