وقام علي كرم الله وجهه من بين الصحابة
يلوم عثمان على تولية أقاربه ، ولما ثار عليه المعارضون من عرب الأمصار أرسل علي
لحراسته والدفاع عنه ولديه الحسن والحسين ، ولكن المتمردين حاصروا دار عثمان ، وألزموه
أن يخلع نفسه من الخلافة ، فحم القضاء ، ولقي مصرعه وهو جالس في المحراب يقرأ
القرآن.
وانثال على علي عرب الأمصار وأهل بدر
والمهاجرون والأنصار ، وهرعوا إلي يقولون : أمير المؤمنين ، فلم يجد بدا من قبول
الخلافة في ٢٥ من ذي الحجة سنة ٣٥ ه. ولقد كانت مهمته خطيرة ، اضطلع بها قرابة خمس
سنين ، ولم يصف له الحال فيها يوما واحدا.
وحرض الثوار عليا على عزل العمال الذين
عينهم عثمان ، فأذعنوا جميعا إلا معاوية في الشام ، فإنه علق قميص عثمان على
المنبر ، وغدا يحض الناس على الثأر للخليفة الشهيد.
وفوجىء علي بالسيدة عائشة أم المؤمنين
وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ـ وهما من رجال الشورى الستة ـ يخرجون إلى
البصرة مطالبين بدم عثمان ، وازدادت الفتنة اشتعالا حين أخذت أم المؤمنين تخمس
الجند وهي في هودجها على الجمل ، ثم عقر جملها وقتل دونه سبعون رجلا ، وعرف هذا
اليوم بموقعة الجمل ، وأعاد الإمام السيدة عائشة إلى مكة محاطة بالتكريم. وتابت هي
إلى الله أسفا على ما أريق من دماء المسلمين.
ثم كان يوم صفين ، وتحكيم الحكمين ، ثم
بداية الوهن ، وتصدع الصفوف بين أتباع علي ، وعرف معاوية كيف ينتهز الفرصة بإثارة
الاضطرابات في أرجاء البلاد ، فازدادت نقمة الخوارج ، وقرروا قتل معاوية وعلي ، فلم
ينجحوا في قتل أولهما ، أما علي فقتله ابن ملجم لعنه الله في المسجد في شهر رمضان
ستة ٤٠ ه وهو يردد : «الحكم لله لا لك يا علي». وبمصرعه انتهت خلافة الراشدين ، وخلا
الجو لمعاوية ليعلن خلافته بالشام ، ويدخل على نظام الحكم مبدأ الوراثة الذي ينافي
روح الإسلام.
موضوعات نهج البلاغة
لا بد لدارس «نهج البلاغة» أن يلم بهذه
الوقائع التاريخية ـ ولو من خلال لمحة خاطفة عجلى ـ ليعرف السر في غروب شمس
الخلافة الراشدة بين المسلمين الأولين الذين استَروَحوا