وأَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ ـ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ ـ وقِلَّةُ عِلْمٍ بِالأُمُورِ ـ والِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَه ـ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ ويَعْظُمُ الصَّغِيرُ ـ ويَقْبُحُ الْحَسَنُ ويَحْسُنُ الْقَبِيحُ ـ ويُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ ـ وإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ ـ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْه النَّاسُ بِه مِنَ الأُمُورِ ـ ولَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ (٤١٧٧) ـ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ ـ وإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ ـ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ (٤١٧٨) فِي الْحَقِّ ـ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيه ـ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيه أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ ـ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ ـ إِذَا أَيِسُوا (٤١٧٩) مِنْ بَذْلِكَ ـ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ ـ مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيه عَلَيْكَ ـ مِنْ شَكَاةِ (٤١٨٠) مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ.
ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً ـ فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وتَطَاوُلٌ وقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ (٤١٨١) مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الأَحْوَالِ ـ ولَا تُقْطِعَنَّ (٤١٨٢) لأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وحَامَّتِكَ (٤١٨٣) قَطِيعَةً ـ ولَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ (٤١٨٤) عُقْدَةٍ ـ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ ـ فِي شِرْبٍ (٤١٨٥) أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ ـ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَه عَلَى غَيْرِهِمْ ـ فَيَكُونَ مَهْنَأُ (٤١٨٦) ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ ـ وعَيْبُه عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
وأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَه مِنَ الْقَرِيبِ والْبَعِيدِ ـ وكُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً