طريق ما وإن لم يتّحد المعنى ، كما ذكرنا في مسألة «أولق» قول بعض الفصحاء :
شهدت بأنّ التّمر بالزّبد طيّب |
|
وأنّ الحبارى خالة الكروان (١) |
فجعل الحبارى خالة الكروان ، لمّا كان اللون ، وعمود الصورة ، فيهما واحدا ، ـ ورأى ذلك قرابة ، وإن كان الحبارى أعظم بدنا من الكروان ، ومنه قول عمرو بن معد يكرب :
وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك ، إلّا الفرقدان (٢) |
فجعل الفرقدين أخوين ، تشبيها لهما بالأخوين ، لتلازمهما ، ومنه قول أبي النجم :
*فظلّ يوفي الأكم ابن خالها* (٣)
فجعل الوحشيّ ابن خال الأكم ، لملازمته لها ، وقال عليه السّلام ، «نعم العمّة لكم النّخلة» (٤) ، فجعلها عمّة للناس ، حين كان بينها وبينهم تشابه ، من وجوه.
وإنما بسطت القول في الاشتقاق ، لغموضه ، وكثرة المنفعة به في علمه ، لما فيه من الاختصار ، والتقريب ، والفهم ، والحفظ ، أما الاختصار فلأنه يجتزأ فيه بجزء من الكلمة ، ولو لا مكانها لاحتيج إلى كلام كثير ؛ ألا ترى كيف تدلّ بالتاء من «تفعل» على معنى المخاطبة والاستقبال ، وبالياء في «يفعل» على الغيبة والاستقبال ، ولو جعل لكلّ معنى لفظ يبيّن به لانتشر الكلام ، ولما فيه من الاختصار عدّ من أكبر آلات البيان ، وأما الفهم فلما فيه من المناسبة ، والاقتضاء بالمشاكلة ، وأما الحفظ فسببه ما ذكرناه من الاختصار ، قال أبو بكر : من الفائدة في الاشتقاق أنه ربما سمع العالم الكلمة ، لا يعرفها من جهة صيغتها ، فيطلب لها مخرجا منه ، فكثيرا ما يظفر ، وعلى هذا أكثر العلماء في تفسير الأشعار ، وكلام العرب ، في الأمثال والأخبار.
وأما التّصريف فتغيير صيغة الكلمة ، إلى صيغة أخرى ، نحو بنائك من «ضرب» مثل «جعفر» فتقول : «ضربب» ، ومثل «قمطر» فتقول «ضربّ» ، ومثل «درهم» فتقول «ضربب» ، ونحو
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في المعاني الكبير لابن قتيبة ، ص ٦٤ ، ومجمع الأمثال للسيداني ١ / ٣٨٤.
(٢) البيت من البحر الوافر ، وهو لعمرو بن معد يكرب في ديوانه ص ١٧٨ ، وجمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي ص ١٣ ، وكتاب سيبويه ٢ / ٣٣٤ ، والأمثال لابن سلام س ٣٠ ، والبيان والتبيان للجاحظ ص ١٢٨ ، والمقتضب للمبرد ٤ / ٤٠٩ ، والعقد الفريد لابن عبد ربه ٣ / ٥٥.
(٣) الرجز ، وهو بلا نسبة في المخصص لابن سيد ١٣٥ / ٢٠١ ، والبيان والتبيين للجاحظ ص ١٢٨.
(٤) أخرجه أبو يعلى في مسنده ١ / ٣٥٣ «٤٥٥» ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٥ / ٣٩ : رواه أبو يعلى وفيه مسرور بن سعيد ، وهو ضعيف.