ولمّا خفي هذا
الوجه ، من الاشتقاق ، على بعضهم ردّ قول من زعم أنّ اسم «الله» تعالى مشتقّ من «الوله»
أو من غير ذلك ؛ لأنّ «الله» هذا اللفظ قديم ـ لأنّ أسماء الله تعالى قديمة ـ و «الوله»
لفظ محدث ، والمشتقّ منه قبل المشتقّ ، فيلزم على هذا أن يكون المحدث قبل القديم ،
وذلك خلف ، ولو علم أنه قد يقال «هذا اللفظ مشتقّ من هذا» وإن لم
يكن مأخوذا منه ـ كما قدّمنا ـ لم ينكر ذلك.
والحدّ الجامع
لهذا الضّرب ، من الاشتقاق ـ أعني الأصغر ـ هو «عقد تصاريف تركيب ، من تراكيب
الكلمة ، على معنى واحد ، أو معنيين متقاربين». وذلك نحو ردّك «ضاربا» و «ضرّابا» و
«ضروبا» و «مضرابا» وأمثال ذلك إلى معنى واحد ، وهو : الضّرب ، إلّا أنّ أكثر
الاشتقاق ، ومعظمه ، داخل تحت ما حدّه النحويّون به ، من أنه «إنشاء فرع من أصل
يدلّ عليه».
وأمّا «المشتقّ»
فيقال للفرع ، الذي صيغ من الأصل ؛ لأنك تطلب معنى الأصل ، في الفرع ، فكأنّك
تشتقّ الفرع ، لتخرج منه الأصل ، وكأنّ الأصل مدفون فيه ، و «المشتقّ منه» هو
الأصل.
فإن قيل : فكيف
يصحّ أن يقال في الفرع إنه مشتقّ من الأصل ـ أي مأخوذ منه ـ والأصل لا ينفصل منه
الفرع؟
فالجواب : أنّ
ذاك يصحّ ، على جهة الاستعارة والمجاز ، وذلك أنه لمّا كان لفظ الفرع مبنيّا من
حروف الأصل ، وكان معنى الأصل موجودا فيه ، صار لذلك كأنه جزء من الأصل ، وإن كان
الأصل لم ينقص منه شيء.
فإن قيل : إذا
كانت البنيتان متّحدّتين في الأصول والمعنى ، فبأيّ شيء يعلم الأصل من الفرع؟
فالجواب : أنّ
الأصل يستخرج بشيئين : باعتبار دوره في اللفظ والمعنى ، وبأنه ليس هنالك ما هو به
أولى ، والوجوه التي يكون بسببها أولى تسعة :
أوّلها : أن
يطرّد معنيان ، أحدهما أمكن من الآخر ، لكثرة ما يشتقّ منه ، كالمصدر ، وذلك
كالسّفاء ، فإنه مأخوذ من السّفى.
__________________