فكان آخر العهد منه (١).
قال « رضي الله عنه » : الضيح والضياح : اللبن الرقيق.
وروى ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ارسل إلى معاوية رسله الطرماح وجرير بن عبد الله البجلي وغيرهما قبل مسيره إلى صفين ، وكتب إليه مرة بعد اخرى يحتج عليه ببيعة أهل الحرمين له وسوابقه في الإسلام ، لئلا يكون بين أهل العراق وأهل الشام محاربة ، ومعاوية يعتل بدم عثمان ويستغوى بذلك جهال الشام واجلاف العرب ويستميل طلبة الدنيا بالاموال والولايات ، وكان يشاور في اثناء ذلك ثقاته وأهل مودته وعشيرته في قتال علي رضي الله عنه فقال له أخوه عتبة : هذا أمر عظيم لا يتم الا بعمرو ابن العاص فانه قريع زمانه في الدهاء والمكر ، يخدع ولا يخدع ، وقلوب أهل الشام مائلة إليه ، فقال معاوية : صدقت والله ، ولكنه يحب عليا فأخاف ان لا يجيئنى ، فقال : اخدعه بالاموال ومصر ، فكتب إليه معاوية :
من معاوية بن أبي سفيان خليفة عثمان بن عفان ، امام المسلمين وخليفة رسول رب العالمين ذي النورين ختن المصطفى على ابنتيه وصاحب جيش العسرة وبئر رومة ، المعدوم الناصر ، الكثير الخاذل ، المحصور في منزله ، المقتول عطشاً وظلماً في محرابه ، المعذب بأسياف الفسقة ، إلى عمرو بن العاص ، صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله وثقته وأمير عسكره بذات السلاسل ، المعظم رأيه ، المفخم تدبيره.
أما بعد لن يخفى عليك احتراق قلوب المؤمنين وما اصيبوا به من الفجيعة بقتل عثمان وما ارتكب به جاره حسدا وبغيا بامتناعه من نصرته وخذلانه إياه واشلائه (٢) الغاغة عليه حتى قتلوه في محرابه ، فيالها من مصيبة
____________
(١) الامامة والسياسة ١ / ١٢٦.
(٢) الإشلاء : الاغراء. يقال أشلى الكلب على الصيد وهو مأخوذ من الشلو ، لأن المراد به التسليط على أشلاء الصيد وهي اعضاؤه. والغاغة : الكثير المختلط من الناس.