وسماع الدرس بالنظامية ، وقرأ الخلاف والنحو (١).
وكان ببغداد يسمى شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه ، لم يجتمع في شيوخه ما اجتمع فيه (٢).
وعلى هذا النحو لازم ابن عساكر بغداد ، متتبعا العلماء والفقهاء وكبار المحدّثين ، مستمعا إليهم ، قارئا عليهم ، مكثرا في ملازمتهم ، حتى سنة خمس وعشرين وخمسمائة وقد استنفذ ما عند الشيوخ من أحاديث ، بالغ في طلبها منهم فأتقن حفظها ، وتلقى متونها وأسانيدها ، فقرر العودة إلى دمشق ، وفعلا عاد إلى دمشق سنة ٥٢٥ ه ليسمع على شيوخها.
رحلته الثانية : إلى بلاد العجم :
وبقي أبو القاسم بن عساكر في دمشق مدة ملازما علمائها وفقهائها وكبار محدّثيها مكثفا الطلب منهم ، متعشقا لرواية الحديث عليهم ، حتى غدا حافظا فهما متقنا بصيرا بهذا الشأن ، لا يلحق شأوه ولا يشق غباره ، ولا كان له نظير في زمانه وهو بعد شاب في مقتبل العمر ، وبقي إلى سنة تسع وعشرين وخمسمائة حيث عزم على التوجّه إلى مراكز ازدهر فيها علم الحديث ، وانتشر فيها الفقهاء والعلماء والمحدّثون فكانت رحلته نحو الشرق ، نحو بلاد العجم ، فارتحل إليها وطاف في مراكزها ومدنها ، وبالغ في طلب الحديث فيها على كبار شيوخها ومحدّثيها ، فسمع بأصبهان ، ونيسابور ، ومرو ، وتبريز ، وميهنة ، وبيهق ، وخسروجرد ، وبسطام ، ودامغان ، والري ، وزنجان ، وهمذان ، وأسدآباذ ، وجيّ ، وهراة ، وبون ، وبغ ، وبوشنج ، وسرخس ، ونوقان ، وسمنان ، وأبهر ، ومرند ، وخويّ ، وجرباذقان ، ومشكان ، وروذراور ، وحلوان ، وأرجيش (٣).
وكان توجهه إلى بلاد خراسان على طريق أذربيجان ، والتقى بنيسابور بالسمعاني ، وفيه يقول : أبو القاسم كثير العلم غزير الفضل حافظ متقن ، ديّن ، خير ، حسن السمت ،
__________________
(١) مفتاح السعادة لبطاش كبرى زاده ٢ / ٣١٨ ، وابن الدمياطي : ص ١٨٧ ، وطبقات الشافعية للسبكي : ٧ / ٢١٧.
(٢) طبقات الشافعية للسبكي : ٧ / ٢١٨.
(٣) طبقات الشافعية للسبكي ٧ / ٢١٦.