تعقيب
قد يظن الظانون ان قصة المباهلة مضت بطريقها الى الابدية ، ولم يبق لاحد فيها مطمع ، ولا لعين مأرب ، ولا لاذن في سماعها من حاجة ، فقد طواها الزمن بين طياته ، وانقضت في يومها الذي وقعت فيه ، وذهبت ليومها وساعتها.
والواقع ان هذا الظن قد يتصل بالحقيقة من بعض جهاتها وفي بعض نواحيها ، وكان الاولى ان لا يكون هذا الظن ، لان قصة المباهلة قصة قومية اسلامية روحية ، كان الواجب على المسلمين ان يتبنوا ذلك اليوم الذي وقعت فيه ، ويجعلونه عيدا قوميا في مصاف الاعياد القومية ، لانه ان صح ـ وهو صحيح ـ ان الاسلام امنية الحضارة العالمية ، فيوم المباهلة احد الايام التي كانت سبيلا الى هذه الامنية الغالية بما ظهر للاسلام من عزة ومنعة ، ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عظمة وكرامة ، بانزواء اولئك القسس في زاوية من الخيبة والفشل في آمالهم ، وقد ارتعدت فرائصهم ، وانخلعت قلوبهم وعادوا الى كعبتهم خائبين خاسرين ، واعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، ولم يبق لنجران تلك المنزلة التي كانت لها في نفوس النصرانية ، وذلك السمو الذي تغنى به الشعراء وذلك القدس الذين تدين له الملوك.